عاد وباء الكوليرا إلى الواجهة مجدّدًا. وأكدت وزارة الصحة العامة اللبنانية، عن تسجيل أول إصابة بالوباء في شمال لبنان هذا العام، وسط مخاوف كبيرة من تفشيّ هذا الوباء وعدم القدرة على السيطرة عليه، لاسيما في مراكز الإيواء والمدارس الرسمية التي تحتضن مئات الآلاف من النازحين.
ويأتي هذا الإعلان في وقت حذرت فيه منظمة الصحة العالمية، الأربعاء الفائت، من أن خطر تفشي الكوليرا في لبنان "مرتفع جدًا"، مشيرةً إلى خطورة تفشيه بين مئات الآلاف الذين نزحوا جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، خصوصًا أن لبنان شهد بين عامي 2022 و2023 تفشي لهذا الوباء في منطقة الشمال.
تسجيل أول إصابةوأكد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، في مؤتمر صحفي، عقده اليوم الجمعة، أن الإصابة الأولى التي سُجلت تعود لإمرأة من الجنسية اللبنانية. وفي التفاصيل، أبلغت الوزارة عن حالة يشتبه في إصابتها بالوباء وجرى متابعة هذا الأمر، وأُكدت الإصابة لإمرأة من بلدة السمونية في قضاء عكار، كانت قد توجهت للمشفى يوم الإثنين الماضي بعد ظهور بعض العوارض المرضية عليها. وهي ليست نازحة، أي لم تكن متواجدة داخل مراكز الإيواء، بل تقطن في بلدة السمونية. وأخذت وزارة الصحة عينات من المياه التي تستخدمها السيدة داخل منزلها، للتأكد من مصدرها وعما اذا كانت الإصابة ناتجة عن تلوث مياه الشرب، أو مياه الاستخدام اليومي (أي أنها ممزوجة بمياه الصرف الصحي)، أو أن الإصابة ناتجة عن تلوث الأطعمة. وعلى سبيل الاحتياط، تم عزل جميع الأشخاص الذين خالطوا المرأة في الأيام الماضية، لأن العدوى تنتقل بسهولة وتحتاج إلى عدة أيام لظهور العوارض على المريض.الخوف من انتشار الوباء
وأوضح الأبيض، أن الوزارة في أعلى درجات من الجهوزية، ولكنه لم يُخف قلقه من تفشي هذا الوباء في هذه الظروف الاستثنائية، أي في ظل تواجد مئات آلاف المواطنين في مراكز الإيواء وفي الشوارع. فإن انتشار أي وباء بين جمع كبير من المواطنين، يتحول إلى مهمة صعبة جدًا لاحتواء الوباء والسيطرة عليه.
ولم تنحصر مخاوف الأبيض بظهور الإصابة، بل إن قلقه تمحور حول أعداد الأشخاص الذين لم يتلقوا أي لقاح في السابق. مؤكدًا أن الكثير من النازحين حضروا من مناطق لم يُوزع فيها اللقاح سابقًا، ما يعني أن عددًا كبيرًا من المواطنين ليس مُحصنًا من الإصابة.
وبحسب الأبيض، فإن وزارة الصحة بدأت بحملات توعوية للمواطنين تتعلق بموضوع الكوليرا وطرق الوقاية منه (شرب مياه نظيفة، تعقيم المياه بالكلور، غسل اليدين بالماء والصابون، الحفاظ على النظافة الشخصية، وتلقي لقاح الكوليرا الفموي لتقوية المناعة..)، وهناك مشاورات مع الجهات المانحة الدولية للحصول على اللقاح من الخارج، لافتًا إلى وجود 30 دولة في العالم تعاني من وباء الكوليرا في الفترة الحالية، ما يشكل صعوبة في وصول اللقاح إلى لبنان خلال فترة قصيرة.
من جهته، عبّر نقيب الأطباء، يوسف بخاش في حديثه لـ"المدن" عن خشيته من انتشار الوباء في أماكن الإكتظاظ السكاني، أي داخل مراكز الإيواء. شارحًا أن بعض هذه المراكز ليس مؤهلًا للسكن، ما يعني أن عددًا من النازحين يعيشون في بيئة قد تكون حاضنة للوباء، لأن مناعة الجسم أصبحت ضعيفة، بسبب التنقل من منطقة لأخرى ونتيجة الوضع النفسي الذي يعانون منه بسبب الحرب، كما أن جودة الأكل ليست مضمونة بشكل كامل، وبالتالي عدم تطبيق معايير النظافة من شأنه تفجير هذا الوباء بشكل كبير وخطير.
وأكد بخاش لـ"المدن" أن بؤرة الجرب انفجرت في إحدى مراكز الإيواء منذ حوالى الأسبوع، وقد تمت معالجتها داخل مركز الإيواء، ومن ثم سُجلت أول حالة وباء الكوليرا، وهو أمر متوقع منذ فترة بسبب الاكتظاظ الكبير.
وشدد بخاش على ضرورة تطبيق معايير النظافة، قائلًا إن "النظافة هي الحل الأساسي"، والتأكد من جودة مياه الشرب، والمياه المُستخدمة أيضًا للاستحمام أو لغسل الخضار، فالمياه الملوثة تسبب وباء الكوليرا، منبهًا إلى ضرورة التأكد من جودة الطعام الذي يقدم في مراكز الإيواء وذلك للحد من انتشار الوباء، الذي قد يسبب الموت لأي مصاب يعاني من نقص في المناعة، ولأن الاسهال الحاد يؤدي إلى جفاف الجسم.