ما أن انطلقت الانتخابات الرئاسية الاميركية أمس لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية، ساد لبنان والعالم ما يشبه «حبس الأنفاس» انتظاراً للنتائج، نتيجة المنافسة الحادة بين المرشحين المتنافسين دونالد ترامب وكامالا هاريس، اللذين وعدا بوقف الحروب. فيما اشتعلت أزمة سياسية في إسرائيل، ترافقت مع دعوات للنزول إلى الشوارع، نتيجة قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس الذي حلّ مكانه جدعون ساعر، في الوقت الذي واصل حربه على لبنان، حيث استمر القصف الجوي والقتل والتدمير الممنهج في الجنوب والبقاع من دون تحقيق اي تقدّم في الميدان بفعل ضراوة المقاومة في مواجهته.


وإذ تترقّب مصادر سياسية لبنانية نتائج اليوم الانتخابي الأميركي الطويل، باعتباره حلقة مفصلية في مسار التحولات الشرق أوسطية، فإنّها تبدي تشاؤمها إزاء ما يمكن أن تحمله هذه الانتخابات لإنهاء المأزق الذي يتخبّط فيه لبنان.


وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»: «في معزل عن صدقية التزام ترامب وهاريس وعودهما بإنهاء الحرب في لبنان وتحقيق انفراج سياسي، فإنّ التطورات المتلاحقة في الميدان تبدو أسرع بكثير، إذ تنفّذ القوات الإسرائيلية عمليات قتل وتدمير وتهجير جماعية في مناطق لبنانية عدة، فيما تحاول التوغل ضمن عمق معين في محاذاة الحدود، حيث سوَّت غالبية المنازل بالأرض. وهذه الدينامية العسكرية الجنونية التي تصرّ عليها حكومة الحرب الإسرائيلية، قد تؤدي إلى فرض معطيات جديدة على الأرض في لبنان، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بحيث لا يعود مجدياً أي تحرك للإدارة الأميركية الجديدة لإنتاج حل، سواء كانت جمهورية أم ديموقراطية. ومن هنا أهمية تزخيم العمل الديبلوماسي في أقرب ما يمكن، لمنع دخول لبنان في الوضع الأكثر سوءاً».


أهون الشرين


وأبلغت مصادر رسمية إلى «الجمهورية»، انّها سمعت في الإعلام عن احتمال عودة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب مجدداً، لافتة إلى انّها لم تتبلّغ منه مباشرة أي جديد يتصل بتحركاته المقبلة، او بما يمكن أن يحمله في حال عودته الى المنطقة.


وأشارت هذه المصادر، إلى انّه «في ما خصّ لبنان «ما بتفرق» إذا آلت الرئاسة الأميركية الى دونالد ترامب او كامالا هاريس لأنّ كلاهما في نهاية المطاف يفضّل إسرائيل ويدعمها».


واعتبرت المصادر «انّ فوز أي من المرشحين الاثنين لن يكون تأثيره كبيراً علينا، لا سلباً ولا إيجاباً، ولن يبدّل ثوابت الموقف الأميركي حيال نتنياهو والحرب، في اعتبار أنّ الحزبين الديموقراطي والجمهوري يتنافسان إلى حدود المزايدة المتبادلة، على كسب ودّ الكيان الإسرائيلي وحمايته». واشارت إلى «أنّ الاختيار هو في احسن الحالات بين أهون الشرين وليس اكثر من ذلك بالتأكيد».


إلى القمة العربية ـ الإسلامية


في هذه الأجواء، تسلّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد البخاري دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في القمة العربية ـ الإسلامية المشتركة التي ستعقد في 11 من تشرين الثاني الجاري في الرياض.


وجاء في نص الدعوة: «في ظلّ تفاقم الأزمة التي يشهدها أشقاؤنا في دولة فلسطين، واتساع رقعة النزاع لتشمل الجمهورية اللبنانية، وامتداد آثار الأزمة إلى دول المنطقة، وانطلاقاً من الرغبة المشتركة بين المملكة العربية السعودية وعدد من الدول العربية والإسلامية الشقيقة في اتخاذ موقف حازم تجاه الجرائم الشنيعة ضدّ الشعب الفلسطيني الشقيق، والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للمقدّسات الإسلامية في دولة فلسطين، والاعتداءات السافرة على الأراضي اللبنانية، فإنّ المملكة تعتزم استضافة قمة متابعة عربية وإسلامية مشتركة غير عادية في مدينة الرياض.


يسرنا دعوة دولتكم إلى المشاركة في هذه القمة، تأكيداً للتضامن العربي والإسلامي في سبيل وقف العدوان الإسرائيلي، والدفع في اتجاه إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونحن على ثقة أنّ مشاركة دولتكم سيكون لها بالغ الأثر في إنجاح القمة وتحقيق النتائج المأمولة منها».


أزمة في اسرائيل


من جهة ثانية، اشتعلت أزمة سياسية في اسرائيل يُتوقع ان تكون لها انعكاساتها على مسار الحرب التي تشنها على لبنان، وقد نشأت هذه الأزمة على إثر أبلاغ نتنياهو إلى وزير الدفاع يوآف غالانت قراره بإقالته مساء امس.


وقد عيّن نتنياهو يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع خلفاً لغالانت، وكذلك عيّن جدعون ساعر وزيراً للخارجية مكان كاتس، مما يعكس تغييرات جذرية في القيادة السياسية.


وقال نتنياهو بعد إقالته غالانت: «العلاقة بيني وبينه تصدّعت، والفارق واضح بيننا في المواقف في موضوع إدارة الحرب». وأضاف: «أعداؤنا استفادوا من الخلافات مع الوزير غالانت».


وبثت القناة 12 الاسرائيلية انّ غالانت قد يعلن استقالته من الكنيست والعمل السياسي بعد إقالته من الحكومة. فيما اشارت صحيفة «هآرتس» إلى انّ نتنياهو يدرس إقالة رئيس الأركان هيرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، وذلك بعد إقالة غالانت.


من جانبه، علّق غالانت على قرار إقالته، مؤكّدًا التزامه بأمن «دولة إسرائيل» خلال 50 عامًا من مسيرته العسكرية والسياسية، مشيرًا إلى أنّ قرار إقالته جاء بعد «إنجازات كبيرة حققتها المنظومة الأمنية» تحت إدارته على جبهات عدة. وقال: «أوضحت لرئيس الوزراء أنّ أولويتي كانت وستبقى أمن إسرائيل وجيش الدفاع». وأوضح أنّ قرار الإقالة يعود إلى خلافات أساسية مع نتنياهو، شملت ثلاث قضايا جوهرية هي التجنيد الإلزامي، قضية الجنود الأسرى، وأهمية استخلاص العبر من الأحداث الأخيرة من خلال تحقيق رسمي». وأشار إلى رفضه للمساعي الهادفة إلى «إعفاء آلاف الشباب من الخدمة العسكرية»، معتبرًا «أنّ الخدمة في الجيش واجب على كل مواطن في سن التجنيد من دون استثناءات»، وقال: «يجب أن يخدم الجميع في الجيش، ولا يجوز إمرار قانون يعفي فئات من المواطنين».


وعن قضية الجنود الأسرى، شدّد غالانت على «ضرورة السعي لإعادتهم إلى أرض الوطن في أسرع وقت ممكن، حتى لو تطلب الأمر بعض التنازلات المؤلمة»، مشيرًا إلى «أنّ هذا الملف يتطلّب التزامًا صارمًا لا يتأثر بالتقلّبات السياسية». وطالب بضرورة «تشكيل لجنة تحقيق رسمية ومنهجية لاستخلاص العبر من التطورات الأخيرة»، وقال إنّ «الوضع الحالي يفرض علينا العيش في حالة من الحرب لسنوات طويلة، ولذا فإنّ تحديد الأخطاء واستخلاص الدروس أمر حتمي من أجل تعزيز الجهوزية الأمنية». وأكّد أنّه «فخور بالإنجازات التي تحققت في المنظومة الأمنية خلال الفترة الماضية، وسيظل ملتزمًا بأمن إسرائيل رغم كل الظروف». في حين قال رئيس «معسكر الدولة» بيني غانتس: «إقالة غالانت سياسية على حساب أمن الدولة»


كاتس يتعهّد


وتعهّد كاتس في أوّل تصريحاته بعد تولّيه منصبه الجديد بإعطاء الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين والجنود، وتدمير حركة «حماس» و«حزب الله».


وشكر كاتس لنتنياهو ثقته، مؤكّدًا أنّه سيقبل «المسؤولية المقدّسة المترتبة على هذا المنصب في ظل الأوضاع الأمنية الدقيقة التي تمرّ فيها إسرائيل». وأكّد «أنّ الحكومة ستعمل على تعزيز المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مع التركيز على دفع إسرائيل نحو النصر في المعركة ضدّ التنظيمات الإرهابية، خصوصًا في غزة ولبنان». وتوجّه إلى «الشعب الإسرائيلي» قائلاً: «سنعمل معًا لتحقيق الأمان والاستقرار لإسرائيل، وسنضع أمن مواطنينا في مقدمة أولوياتنا».


وفي غضون ذلك، فرضت الشرطة الإسرائيلية إغلاقات مرورية في محيط مقر إقامة نتنياهو في القدس بعد الإعلان عن إقالة غالانت، في حين نزل مئات المحتجين على القرار إلى الشوارع في تل أبيب، بينما أغلق محتجون محور أيالون في تل أبيب الكبرى.


وتساءل خبراء ومحلّلون إسرائيليون حول خبرة كاتس العسكرية، وكيف سيؤثر ذلك على إدارة ساحتي المعركة الأكثر سخونة في غزة وجنوب لبنان، فضلاً عن تساؤلهم عمّا إذا كانت هناك علاقة بين إقالة غالانت والقضايا الأمنية التي يتمّ التحقيق فيها.


وفي ردود فعل أولية، اعتبرت هيئة عائلات الأسرى أنّ «إقالة غالانت استمرار لجهود نتنياهو لإحباط مساعي إعادة المخطوفين»، في حين قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: «أهنئ نتنياهو على قرار إقالة غالانت. فلا يمكن تحقيق النصر الكامل معه».


أما زعيم المعارضة يائير لابيد، فاعتبر من جهته أنّ «إقالة غالانت في وسط الحرب هي عمل جنوني. نتنياهو يبيع أمن إسرائيل ومقاتلي الجيش من أجل البقاء السياسي الوضيع»، مضيفاً: «حكومة اليمين بكاملها تفضّل المتهرّبين على المقاتلين. أنا أدعو أبناء «يوجد مستقبل» وجميع الوطنيين الصهاينة للخروج الليلة (أمس) إلى الشوارع احتجاجاً».


وقال المراسل العسكري لـ«إذاعة الجيش الاسرائيلي» إنّ نتنياهو اختار توقيت إقالة غالانت بعناية، حيث تنشغل وسائل الإعلام العالمية بالانتخابات الأميركية وينشغل الإعلام في إسرائيل في قضية التسريبات الأمنية الخطيرة، وفي ظل فتح تحقيق آخر من جانب الشرطة ضدّ مكتب نتنياهو في أحداث بداية الحرب، نتنياهو حوّل الأنظار الآن إلى إقالة غالانت».


ودعا رئيس كتلة «الديمقراطيين» يائير جولان المواطنين الإسرائيليين إلى التظاهر في الشوارع، قائلاً: «انزلوا إلى الشوارع الآن!».


كذلك دعا عضو الكنيست جلعاد كاريب إلى عزل نتنياهو، مؤكّدًا: «حان الوقت لإخراج نتنياهو من القلعة». فيما دعت حركة «أحرار في بلادنا» الإسرائيلية والمنظمات الاحتجاجية الأخرى إلى النزول إلى الجسور والتقاطعات في مختلف أنحاء البلاد، مطالبين بحماية الدولة من «السياسة الدنيئة» التي يفرضها نتنياهو.


ووجّه نشطاء إسرائيليون اتهامات خطيرة ضدّ نتننياهو، معتبرين أنّ إقالة غالانت هي «خيانة للجنود ولشعب إسرائيل». وقالوا: «عندما يحاول رئيس الوزراء إخفاء الجرائم في مكتبه، وتقديم الهدايا للمتدينين، يجب أن يُرسل إلى منزله». وأكّدوا أنّ القرار بمثابة «تهديد أمني لدولة إسرائيل»، مستنكرين تقاعس الحكومة في مواجهة التهديدات الإيرانية. وقالوا: «نتنياهو يختبئ وراء الرقابة لإخفاء الأضرار التي تلقّتها إسرائيل من الهجوم الإيراني، ورغم ذلك يخشى من الهجوم على إيران»، محملين إياه مسؤولية «إضاعة حياة الجنود» بسبب قراراته السياسية.


وبدوره رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان حذّر من أنّ الإقالة قد «تضرّ بمقدار كبير بالأمن القومي»، مشيرًا إلى أنّ «قرار إقالة وزير الدفاع في وسط الحرب هو بداية جولة جديدة من التعيينات السياسية أثناء القتال».


سحب ألوية


من جهة ثانية، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ الجيش الإسرائيلي يسحب ألوية عدة من جنوب لبنان تزامناً مع تقدّم في جهود التوصل إلى تسوية. ونقلت عن مصادر إسرائيلية، أنّ «إدارة بايدن ستضغط للتوصل لصفقة كبيرة تشمل إنهاء الحرب بغض النظر عن الفائز، ونستعد لاحتمال زيادة الضغوط بعد الانتخابات الأميركية لدفعنا لإنهاء الحرب». وذكرت أنّ «الاتجاه الذي ستسير فيه الصفقة سيتضح بعد الانتخابات الأميركية». واشارت وزارة الخارجية الأميركية، الى انّ «الوزير أنتوني بلينكن بحث في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الجهود الجارية لإنهاء الحرب في غزة، والجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل في لبنان». واكّدت انّ «بلينكن شدّد على أهمية عدم جرّ العراق إلى صراع إقليمي، واكّد على ضرورة أن يسيطر العراق على الجماعات المسلحة التي تشن هجمات من أراضيه». ودعا بلينكن الحكومة العراقية إلى حماية الموظفين الأميركيين من الهجمات التي تُشن من العراق.


مجزرة في برجا


وفيما تواصل العدوان الإسرائيلي على لبنان أمس، تعرّضت بلدة برجا في إقليم الخروب، مساء امس لغارة جوية إسرائيلية استهدفت شقة سكنية. وأفاد مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة في بيان رسمي، أنّ الغارة أسفرت عن استشهاد 15 شخصًا في حصيلة أولية. وكانت طائرة مسيّرة اغارت على سيارة على طريق طليا ـ حورتعلا في البقاع ما ادّى الى استشهاد ثلاثة مواطنين.


وأفادت «الوكالة الوطنية للاعلام»، الرسمية أنّه «في إطار الحرب التدميرية التي يشنّها العدو الاسرائيلي على لبنان عمومًا والجنوب خصوصاً، والغارات والاعمال العسكرية التدميرية، يقوم جيشه بتفخيخ وتدمير أحياء في مدن وبلدات بكاملها، حيث انّ اكثر من 37 بلدة تمّ مسحها وتدمير منازلها، وانّ اكثر من 40 ألف وحدة سكنية دُمّرت تدميراً كاملاً». وقالت إنّ «هذا يحدث في منطقة في عمق 3 كيلومترات تمتد من الناقورة حتى مشارف الخيام».


من جهتها، أعلنت وزارة الطوارئ الروسية أنّها ستجلي نحو 100 مواطن روسي من بيروت إلى موسكو، وفق ما أفادت وكالة «تاس» الروسية.


وكانت وصلت امس إلى القاعدة العسكرية في مطار بيروت الدولي، طائرة روسية محمّلة بنحو 20 طناً من المساعدات الطبية.