يستمر العدوان الإسرائيلي على لبنان في توجيه رسائله النارية في أكثر من اتجاه، يبدأ بتوسيع مساحة التهجير والتفريغ، حيث وصلت أعداد القرى والبلدات التي صنّفها خط نار إلى 150 بلدة يعمل على تدميرها اما كلياً او جزئياً، بحيث تصعب العودة اليها سريعاً والسكن فيها، بالإضافة إلى إرساء معادلات تفرض سيطرته الأمنية والعسكرية. ولعلّ رسالته بقصف محيط مطار بيروت رداً على قصف المقاومة محيط مطار بن غوريون تشكّل إنموذجاً قوياً… ما دفع المراقبين إلى طرح السؤال: إلى متى سيستمر هذا العدوان الإسرائيلي بعد تجاوز محطة 5 تشرين الثاني الانتخابية الاميركة، والتي تمّ التعامل معها على أنّها محطة مفصلية؟


قال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، انّ وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً طرح نقاطاً عدة بدأ النقاش فيها جدّياً:


• الأولى مدة الحرب، إذ يُطرح السؤال حالياً كم ستطول في ظل تعهد ترامب بإنهاء الحروب؟ وهل ستتمكن اسرائيل من إعلان الوصول إلى أهدافها قبل ان يتسلّم ترامب مقاليد الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل؟ وكيف سيستغل نتنياهو المرحلة الانتقالية برفع مستوى التصعيد أم بالإبقاء على وتيرة العدوان مع فرض معادلات يعكسها الميدان؟


• الثانية ، ماذا عن القرار 1701 وكيف ستعود إسرائيل إلى التفاوض حوله ومع أي شروط خصوصاً انّ ضربة الأولي كانت رسالة واضحة لجناحي تطبيق القرار (الجيش و«اليونيفيل»).


• الثالثة والأهم، من أين سيُستأنف التفاوض؟ وهنا يكشف المصدر انّ المبعوث الاميركي أموس هوكشتاين سيعود إلى بيروت قريباً، بعد ترتيب أمور عدة طرحها مع نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لتل ابيب، وهناك اتفاق على ان يستكمل هوكشتاين ملف التفاوض خلال المرحلة الانتقالية.


الوقت الضائع


إلى ذلك، أبلغت اوساط سياسية إلى «الجمهورية»، انّ مقولة ترامب خلال حملته الانتخابية بأنّه آتٍ لـ«إنهاء الحروب وليس لبدئها»، ستكون على المحك وتحت الاختبار مع فوزه في الانتخابات الرئاسية. ولفتت هذه الاوساط الى انّ ترامب كان قد اتفق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة الاخير للولايات المتحدة الاميركية قبيل الانتخابات، على انّه إذا فاز بالرئاسة فهو يريد أن تكون الحرب الإسرائيلية على غزة قد انتهت عند تسلّمه مقاليد الحكم رسمياً.


واشارت المصادر إلى أنّ الوقت الضائع الفاصل عن تولّي ترامب السلطة في 20 كانون الثاني سيملأه نتنياهو بمواصلة عدوانه على غزة ولبنان، من دون ان يعني ذلك أنّ العدوان سيتوقف فوراً بعد 20 كانون الثاني، وذلك في انتظار تبيان معالم الصفقة التي سيعمل عليها ترامب مع رئيس الوزراء الاسرائيلي.


شكوك قوية


وإلى ذلك، تعلّق قوى اليمين واليمين المتطرّف التي تقود حكومة نتنياهو، أهمية كبرى على فوز ترامب بالرئاسة، وتراهن على أنّ الإدارة الأميركية المقبلة ستكون مطواعةً جداً لمخططاتها، خصوصاً في ما يتعلق بـ»تذويب» الملف الفلسطيني نهائياً وإضعاف إيران كقوة نووية ذات طموحات توسعية في الإقليم.


لكن مصادر ديبلوماسية مواكبة في بيروت أبدت عبر «الجمهورية» شكوكاً قوية في قدرة الحكومة الإسرائيلية على تسخير الدعم الأميركي لخدمة مصالحها الإقليمية في شكل مطلق. وتستدل إلى ذلك بقول ترامب نفسه إنّ نهجه لن يكون مبنياً على إشعال حروب جديدة بل على إنهاء الحروب المندلعة حالياً وإبرام صفقات وتسويات. وبالتأكيد، سيبدأ ترامب بإطفاء النار التي طال أمدها على اطراف أوروبا، في أوكرانيا، ويحاول تعميم هذا المناخ التسووي على أزمات الشرق الأوسط، حيث سيراعي مصالح الحليف الإسرائيلي، لكنه لن يطلق العنان لطموحاته بلا ضوابط، حرصاً منه على التوازن في علاقات واشنطن الشرق أوسطية. لكن ما تتخوف منه المصادر هو الفترة الانتقالية في البيت الأبيض، التي ستدوم نحو شهرين ونصف الشهر، وفيها قد يقوم نتنياهو وشركاؤه بتصعيد عسكري خطر يفرض أمراً واقعاً على الإدارة الأميركية المقبلة.


ميقاتي إلى الرياض


في هذه الأجواء ستتجّه الأنظار إلى الرياض التي ستشهد الاثنين المقبل القمة العربية الإسلامية التي دعت اليها المملكة العربية السعودية، لاتخاذ موقف من استمرار العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة منذ اكثر من سنة، وكذلك على لبنان وما يخلّفه من مجازر ودمار. وسيتوجّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد غد الأحد إلى الرياض للمشاركة في هذه القمة.


وقالت أوساط حكومية انّه سيطلب الدعم والعون للبنان من الدول المشاركة، لمساعدته في الصمود، في ظل النكبة التي نعيشها والإبادة التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق البشر والحجر والتراث والتاريخ، بالإضافة الى طلبه الضغط على دول القرار لوقف هذا العدوان ووضع حدّ للإبادة والمجازر».


إنتصار قطعي


في غضون ذلك، اكّد المرشد الأعلى الايراني السيد علي خامنئي، امس أنّ «الجهاد المستمر بقوّة في لبنان وقطاع غزّة وفلسطين المحتلة سيؤدي حتماً إلى الانتصار». وقال السيد خامنئي خلال لقاءٍ مع أعضاء مجلس خبراء القيادة في إيران، إنّه «وبحسب ما يُفهم من التطورات الجارية، والوعد الإلهي، فإنّ انتصار الحق ومحور الحق وجبهة المقاومة قطعياً». وشدّد على أنّ «الشهيد السيد حسن نصر الله وغيره من شهداء هذه الأيام الأعزاء، رفعوا من عزة الإسلام حقاً، كما رفعوا من عزّة جبهة المقاومة وقوتها». وقال: «سيدنا العزيز استشهد وباستشهاده نال أعلى المراتب وما كان يتمناه، لكنّه ترك هنا إرثاً كبيراً وهو حزب الله»، واضاف أنّ «حزب الله بفضل شجاعة السيد وحكمته وصبره وتوكله العالي نما وتعاظم وتحوّل إلى قوةٍ لم يتمكن العدو من هزيمتها على الرغم من كل إمكانياته المادية والإعلامية. وإن شاء الله لن يتمكن من ذلك». وأشار إلى أنّ «حزب الله خلال ما يقارب 40 عاماً أجبر إسرائيل على الانسحاب من بيروت وصيدا وطهّر جنوب لبنان كلياً من وجود الصهاينة ما يعني أنّ قدراته تعاظمت وتتعاظم»، معقباً بقوله: «مُخطئ من يظن أنّ حزب الله ضعف، فهو حزب قوي ويواصل المواجهة». وأوضح أنّ «حزب الله تحوّل من مجموعةٍ صغيرة من المجاهدين في سبيل الله إلى قوّةٍ عظيمة قادرة على تحقيق هذه الإنجازات وإجبار العدو المدجج بكافة أنواع الأسلحة والمدعوم سياسياً واقتصادياً واعلامياً من جانب طغاة العالم على التراجع، وهذه هي تجربة تاريخية شهدناها». وقال إنّ «حزب الله يواصل النضال برجاله الأبطال. والعالم سيرى أنّ الكيان الصهيوني سيتلقّى صفعة من هؤلاء المجاهدين».


«اليونيفيل» مجدداً


وعلى الصعيد الميداني واصلت إسرائيل قصفها التدميري في الجنوب ومناطق البقاع بعد ليل عنيف من هذا القصف الذي طاول الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيط المطار والبقاع والمنطقة الجنوبية،


واستهدف الطيران الاسرائيلي سيارة في صيدا قرب من حاجز الجيش – الاولي ما ادّى إلى سقوط 3 شهداء و4 جرحى من جنود الكتيبة الماليزية التابعة لليونيفيل صودف مرور آليتهم في المنطقة خلال الاستهداف وإصاباتهم طفيفة، وجريحين مدنيين. وافيد انّ القتلى هم حسين امير شومر وشقيقتاه ألاء وملاك من السكسكية..


واعلنت قيادة «اليونيفيل»، في بيان الآتي: «بعد ظهر اليوم، كانت قافلة تابعة لقوات اليونيفيل، تنقل جنود حفظ سلام وصلوا حديثاً إلى لبنان، تمرّ عبر صيدا عندما وقع هجوم بطائرة مسيّرة بالقرب منها. أصيب 5 من جنود حفظ السلام بجروح طفيفة، وجرى علاجهم على الفور من قبل الصليب الأحمر اللبناني، ثم واصلوا طريقهم إلى مواقعهم في جنوب لبنان». كما أكّد الجيش اللبناني إصابة ثلاثة من جنوده عند نقطة التفتيش التابعة للجيش اللبناني والقريبة من موقع الغارة.


ونقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصادر مطلعة قولها «إنّ تقديرات بأنّ اتفاقاً مع لبنان قد يحدث في غضون أسبوعين». واضافت هذه المصادر: «نتنياهو يرغب في تأجيل بعض القضايا إلى فترة إدارة ترامب، لكن الاتفاق مع لبنان قد يحدث قبل ذلك».


فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن مصدر أمني، بأنّه «بإمكان سكان البلدات الشمالية العودة إلى منازلهم بحلول نهاية العام».


وافادت صحيفة «فايننشال تايمز»، نقلاً عن مصدر مطلع، عن أنّ «هناك تفاهماً بين نتنياهو وترامب على العمل لإنهاء الحروب»، مشيرة الى أنّ «نتنياهو لن يقوم بأي خطوة كبيرة في لبنان وغزة قبل تنصيب ترامب».