بسم الله الرحمن الرحيم
‏(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا  بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)‏
صدق الله العلي العظيم ‏

‏1- في اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من كل عام، كنّا نقف ‏هنا وعلى امتداد ساحات الوطن، من الجنوب إلى البقاع كي نحيي هذا ‏اليوم الخالد في تاريخ حزب الله، يوم شهيد حزب الله، نصطّف هنا، في ‏قاعة مجمع سيد الشهداء عليه السلام، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، نرفع ‏الرايات، ونعلي القبضات، ونقف على أهبة الانتظار ترحيباً بالسيد الأعلى ‏والاغلى سماحة قائدنا، وهو يبث فينا الروح، ويشحذ فينا الهمم، ويوضّح ‏الرؤية، ويحدد المواقف، ويؤكد الهدف، ويرسم المسار، ويحلّق بنا في ‏سماء المجد والمقاومة والانتصار. ‏
هذه هي المرة الأولى التي نأتي فيها إلى مجمع سيد الشهداء، والسيد لا ‏يخرج فينا خطيباً يأسر القلوب والأرواح، وهذه هي المرة الأولى التي ‏نحيي فيها عبر هذا المؤتمر الصحفي الرمزي يوم الشهيد في غيابه، فلئن ‏غاب جسده قسراً وقهراً في معركة ما زال هو قائدها ورمزها، فإنه باق في ‏الشهداء الذين كان يؤبّنهم ويرثيهم ويعزي عائلاتهم بكل ما أوتي من ‏عاطفة وحنان، وباقٍ خالداً أبداً في المجاهدين الذين تخرجوا من مدرسته ‏أبطالاً كربلائيين، كان السيد أمةً في رجل، وما زال، لا يشبه أحداً ولا ‏يشبهه أحد. 
إن احتفالنا الحقيقي في ذكرى فاتح عهد الاستشهاديين الشهيد ‏أحمد قصير هو بتحقيق الانتصار في ساحات القتال والجهاد. ‏

‏2- إلى المجاهدين والمقاومين، أولي البأس الشديد، في كربلاء قتل ‏الأنصار، ثمّ آل عقيل، ثمّ آل الحسن، ثمّ آل الحسين، ثمّ حامل الراية ‏الكفيل، عندها وقف الحسين وحيدًا في الصحراء مخاطبًا العالم والأجيال ‏القادمة ألا من ناصر ينصرنا، أما نحن، في كربلاء لبنان، فقد قتل حسين ‏عصرنا أولاً، لحكمة نجهلها ربما فداءاً عن شعب ووطن وأمة، لكنّه ترك ‏خلفه مائة ألف مقاتل يتحرقون شوقًا للقاء العدو انتقامًا لسيدهم وثأرًا ‏لأزكى ما سفك من دم، ولو حملوا على الجبال لأزالوها، ويحق فيكم القول ‏أتعلمون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان الهيجاء وصناديد العرب وأبطال ‏الرضوان وبدر ونصر وعزيز. إنّ وقائع الميدان الفعلية في يدكم وستكون لها الكلمة ‏الفصل في السياسة والقرار، وعلى ضوء قتالكم وصمودكم يتحدّد مصير ‏مقاومتكم ووطنكم بل ربما مصير الشرق الأوسط بأكمله.‏

‏3- بعد خمس أربعين يومًا من القتال الدامي وخمس فرق عسكرية ‏ولواءان، وخمس وستون ألف جندي، ما زال العدو عاجزًا عن احتلال ‏قرية لبنانية واحدة، وما الملحمة التي سطرها المجاهدون في قلعة الخيام ‏إلا شاهد حي على البطولة وإرادة القتال العصية على الانكسار.
لدينا ثلاثة ‏عناصر حاسمة في الميدان: إرادة الحسينيين الكربلائيين الاستشهاديين ‏العازمين على الموت دفاعًا عن وطنهم وشعبهم، ولدينا الوقت الكافي قبل ‏أن تغرق دباباتهم مع قدوم  الشتاء في وحل لبنان، ولدينا الأرض التي ‏نعرفها وتعرفنا والتي تمنحنا حرية المناورة والحركة فأما أن نحيا فوقها ‏أعزاء أو نموت دونها شهداء. ‏

لن تكسبوا حربكم بالتفوق الجوي أبدًا ولا بالتدمير وقتل المدنيين من ‏النساء والأطفال، وطالما أنكم عاجزون عن التقدم البري والسيطرة الفعلية ‏فلن تحققوا أهدافكم السياسية أبدًا ولن يعود سكان الشمال إلى الشمال أبدًا. ‏ومع المزيد من التصدع في جبهتكم الداخلية سيبدأ العد العكسي وستكون ‏هناك نقطة تحول كبرى، وعندها ستتأكد يا هذا مجددًا صدق ما قاله سيدنا ‏الأسمى أنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.‏

وهنا نؤكد مجددًا ردًا على تخرّصات عدد من مسؤولي العدو أن مخزوننا ‏الصاروخي قد تراجع إلى نحو 20 % من قدراتنا الفعلية، هذا الكلام هو نفسه تقريباً منذ ست أسابيع. إنّ جوابنا ‏الفعلي هو في الميدان عندما طالت صواريخنا الأسبوع الماضي ضواحي ‏تل أبيب وحيفا، ومراكز ومعسكرات نقصفها لأول مرة في الجولان ‏وحيفا،  واستخدام صاروخ الفاتح 110 ولدينا المزيد، وذلك بالإدارة ‏المناسبة التي قررتها قيادة المقاومة، ونؤكد مجدداً أن لدى المقاومين لا ‏سيما في الخطوط الأمامية ما يكفي من السلاح والعتاد والمؤن ما يكفي ‏حرباً طويلة نستعد لها على كافة الأصعدة.‏

‏4- نشيد بالمظاهرات المنددة بالاحتلال والتي جرت فصولها في ‏أمستردام، رداً على الاستفزازات الصهيونية. نعلم أن الحكومات ستقف من أجل قمع الحريات وعدم المس بما ‏هو صهيوني وربما يحصل تكاتف دولي لمنع إدانة إسرائيل شعبياً كما هو ‏الحال سياسياً ولكن رغم ذلك فإن رسالة المتظاهرين في هولندا كما في ‏العالم سابقاً أن إسرائيل معزولة لأن العالم في النهاية إنسان سوي، له قلب ‏ومشاعر وليس حجراً وطين. 
 ‏
‏5- إن علاقتنا بالجيش الوطني اللبناني علاقة متينة وقوية، كانت كذلك ‏وكذلك ستبقى، نحن من آمن بثلاثية الذهب والبطولة: جيش وشعب ‏ومقاومة، نحن نفهم ونقّدر دور الجيش في حماية التراب الوطني والأمن ‏الوطني. لقد تعمّدت دماء الشهداء هادي نصر الله وهيثم مغنيّة وعلي ‏كوثراني بدماء الشهيد جواد عازار، وأن يقوم العدو بقتل الرائد الشهيد ‏البطل محمد فرحات  على تراب عيترون والذي كان تشييعه في زغرتا ‏عرساً وطنيّاً جامعاً فإننا نفهم رسالة العدو، هكذا نفهم الجيش وهكذا نفهم ‏علاقة المقاومة به، أما أولئك الذين لطالما قاتلوا الجيش أبّان الحرب ‏الأهلية البغيضة وقتلوا ضباطه وجنوده، أما أولئك الذين وقفوا خلف شعار ‏الدفاع عن الجيش لإطلاق النار على المقاومة بذريعة تساؤل طبيعي ‏وطلب التوضيح من دون إدانة أو اتهام عن حادثة البترون فنقول لهم ‏خسئتم، لن تستطيعوا أن تفكوا الارتباط بين الجيش والمقاومة، وكلاهما ‏كلّ بطريقته وإمكاناته في قلب معركة الدفاع عن لبنان واللبنانيين. ‏

‏6- على مدى خمسين يوماً من العدوان، بل على مدى عام من طوفان ‏الأقصى وجبهة الإسناد، بل على مدى أربعين عاماً من المقاومة ضد ‏الاحتلال الصهيوني تتعرض مقاومتنا وشعبنا وبيئتها الثقافية والاجتماعية ‏لحملات سياسية وإعلاميَة معروفة الأهداف، متعددة الأشكال والوسائل، ‏تشكك في جوهرها وفي نواياها وفي قدراتها وفي انتمائها الوطني ‏الصافي لبلدها وشعبها، وفي قرارها المستقل، وفي قيادتها اللبنانية ‏الخالصة، وفي جهادها المتواصل والذي أثمر تحريراً للأرض في عام ‏‏2000. ‏

لماذا العودة إلى كل ذلك وهو تقريباً من البديهيات، لأنه مع استعادة ‏المقاومة الإسلامية المبادرة في الميدان وعجز العدو عن التقدم البري، ‏ومع استقرار الأوضاع التنظيمية، وانتخاب سماحة الشيخ نعيم قاسم أميناً ‏عاماً، وملء الشواغر في المراكز القيادية بفعل استشهاد عدد من القادة، ‏عادت الجوقة إياها إلى العمل وإلى التشكيك وبث السموم ونشر الشائعات ‏وضرب الروح المعنوية بانسجام تام مع آلة الدعاية الصهيونية.

أ- إنكم تعلمون أن العدوان على لبنان بدأ عام 1936 في مجزرة حولا، ‏فهل كان حزب الله حينها موجوداً؟ هل يجب أن نعود إلى التاريخ كثيراً؟ ‏إلى عام 1947 و1948، عام 1974 و1978 وإلى عام 1982 عندما ‏دخلت دباباته إلى العاصمة بيروت لنؤكد أن العدوان والاحتلال والنوايا ‏التوسعية موجودة في صلب العقيدة الإسرائيلية العسكرية. إن نشوء حزب ‏الله في العام 1982 كحركة مقاومة هو في الأصل رد فعل طبيعي على ‏الاحتلال، فلماذا التشويه للحقائق واستغفال الناس وضرب الذاكرة ‏الجماعيّة وتحميل المسؤولية للضحايا؟  والتعامل مع حركة التاريخ كأنها ‏قطع مجتزأة تنتقون منها ما يخدم سياستكم ويبرر حملاتكم. إن حركتنا ‏نشأت على الأرض اللبنانية التي احتلها العدو الإسرائيلي. قيادتنا لبنانية ‏ومقاومونا لبنانيون أباً عن جدً، لسنا فصيلاً عند أحد ولا نأتمر بأوامر أحد ‏ولا نتلقى إيعازاً من أحد كي ندافع عن بلدنا أو نساند شعباً مظلوماً، ‏وعلاقتنا بالجمهورية الإسلامية ودعمها لمقاومتنا أطهر من أن تمسها ‏ألسنتكم بالسوء ولكنكم اعتدتم الاستزلام والمال الحرام والارتماء بأحضان السفارات. ‏

ب - تدور في البلد حالياً نغمة مستحدثة لطالما سمعناها من أيام قوة لبنان ‏في ضعفه، أو العين لا تقاوم المخرز وسواها من الشعارات التي تحمل في ‏ثناياها الهزيمة النفسية المسبقة أمام العدو، والآن يعودون إلى نفس النغمة ‏التي سادت عام 1982 عندما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى بيروت. عن ‏أي ميدان تتحدثون؟ وقراكم تدمر والنازحون يعانون في مراكز الإيواء؟ ما هو مفهومكم للنصر والهزيمة؟ وما منعرف ننهزم وشعارات جماعة ‏تعبنا من الحرب، الذين لم يطلقوا في حياتهم طلقة واحدة ضد هذا العدو، ‏تعبتو من شو؟ شو متعبّكم؟ عن جد.‏
عن أي ميدان نتحدث؟ عن ميدان البطولة والمقاومة والشرف والفداء الذين ‏سطر فيه المجاهدون بدمائهم عجز العدو عن احتلال قرية لبنانية واحدة ‏يبسط عليها نفوذه فضلاً عن أن يبني عليها كريات الخيام،  كريات عين ‏إبل جديدة. ألم تقرأوا معاريف وهي تقول خمسون ألف جندي وأربعون ‏يوماً ونحن عاجزون عن احتلال قرية واحدة في جنوب لبنان. ‏
عن أي ميدان نتحدّث، نعم الميدان القادر كل يوم ومتى شاء وطبقاً لقرار ‏قيادة المقاومة قصف تل أبيب. الميدان القادر على تغيير المعادلات ‏السياسية وإذا سمعتم يوماً ما عن مفاوضات سياسية لوقف إطلاق النار ‏فاعلموا أن سببها الوحيد هو الميدان وصمود أبطال المقاومة في الميدان. ‏

مفهومنا للإنتصار والهزيمة مفهوم أي حركة مقاومة في التاريخ، أي منع ‏العدو من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية، أما عدم المقاومة فهو ‏الهزيمة الكاملة والاستسلام المذل وهذا ما لم يكن ولن يكون، نعلم أن ‏الكلفة عالية والثمن كبير ولا نتجاهل وليس لدنيا إنكار للواقع ولكننا نعرف ما في ‏صدور أبناء أمتنا وشعبنا من الصبر والتحمل والعزيمة والدعاء لأبنائها ‏وفلذات أكبادها الموجودين على الجبهات، وإن النصر صبر ساعة. ‏
ولكن اسمحوا لنا. أفهم أنكم خصومنا السياسيين منذ زمان طويل، نحترم ‏حق الاختلاف، وأفهم أنّ البعض منكم يحمّل حزب الله المسؤولية عن ‏الحرب وهذا ما تقولونه علانية، بس اكسروا أعيننا مرة واحدة ببيان إدانة ‏العدوان الإسرائيلي على لبنان، يا أخي إدانة قتل المدنيين من النساء ‏والأطفال، يا أخي إدانة تدمير القرى والإبادة ‏الجماعية، إدانة قصف البلديات وقتل رؤساء البلديات، إدانة تدمير سوق ‏النبطية التاريخي، وأسواق صور القديمة، يا أخي اجتماع في البريستول ‏طيب مش أكثر، ألستم جماعة المجتمع الدولي والقانون الدولي، رسالة إلى ‏الأمم المتحدة على الأقل فيها شكوى من القتل والمجازر وتدمير المنازل. ‏لا تجرأون، بتزعل عوكر منكم، وبعدين إذا حكينا عنكم وواجهناكم ‏بالحقيقة بتزعلوا والبعض أرسل لي رسائل أنه أنت في مؤتمرك الصحفي ‏تخوننا، عجباً يرضى القتيل ولا يرضى القاتل. ‏
وبعد يا سيدي خجل أن أقف تحت منبرك ولا أسمع صوتك، وعذراً طويلاً ‏فإن حزننا مؤجل ولو أن القلوب ضاقت في الصدور، فسلام عليك، وعلى ‏صفيك السيد هاشم، وعلى الشهداء بين يديك.