تدريجياً يتجاوز جمهور حزب الله آلامه، محاولاً العودة إلى يومياته. كلما التقى اثنان بعد طول غياب كان الحديث عن الحزب ثالثهما. هو في صدمة لما ينهض منها بعد. تساؤلات بالجملة ليس حزب الله بعيداً عنها. خلال الحرب كان يرفض حزب الله التلهي بالغوص بما ألمّ به، وأسبابه وتداعياته المستقبلية. كان مسؤولوه يكتفون بالقول إن هذا البحث مؤجل إلى ما بعد الحرب. انتهت الحرب ودقت ساعة الحقيقة ليكتشف ما مني به، وكيف تمكنت إسرائيل من اغتيال قادته وكيف انكشف كل هؤلاء دفعه واحدة. هل في الأمر غدر وخيانة أم سوء تقدير؟
لن يكون حزب الله بعد "السيد" كما كان في عهده. علاقة الجمهور مع حزبه لن تكون كما كانت عليه يوم كان السيد حاضرًا. كل ما يحيط بحزب الله يؤكد أنه لم يتجاوز مصابه، ولن يتجاوزه بسهولة. وسيكون سبباً لمراجعة شاملة داخل الحزب وخارجه.إعادة لمّ الشملمن أولى المهام وأصعبها على حزب الله، إعادة لمّ شمل تنظيمه بعد الضربات الإسرائيلية القاصمة التي ألمّت به جراء اغتيال أبرز أركان قيادته العليا، وعلى رأسهم السيد نصرالله. يمر حزب الله حالياً في مرحلة انتقالية جوهرية ومصيرية في مساره، استدعت وتستدعي تغييرات حاسمة في استراتيجية خططه وأعماله المستقبلية، أقله على مستويين ومحورين، الأول الداخلي ويتضمن مقاربة جديدة حذرة في إعادة ترتيب علاقاته مع الأطراف الداخلية، من حيث حدود العلاقات وأحجامها، وإعادة إنتاج فريق تواصل تفرضه المرحلة وتطوراتها البالغة الدقة والحساسية. والمستوى الثاني، مراجعة ما ألمّ به وأسبابه والخروقات الكبيرة التي تعرض لها، بدءاً من تفجيرات البيجرز التي خفف من وطأتها وطغى عليها الاغتيال المدوي للأمين العام للحزب، إلى الانكشاف المريب لقادته وشبكة اتصالاته الداخلية، وأسباب الاغتيالات المتتالية في صفوف قادته ومسؤوليه العسكريين والأمنيين.
داخلياً، عاجل حزب الله في تطويق ذيول الحرب بالتفافه على الداخل، مرة بالدعوة للحوار التي تحدث عنها النائب محمد رعد، وثانية في أسلوب أمينه العام المهادن، والذي أنهى عقدة الرئاسة بالوعد في انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من الشهر المقبل.التعاطي بمرونةبات يتعاطى حزب الله بمرونة مع الاستحقاقات الداخلية. موقفه من الرئاسة ينذر بتراجعه عن مرشحه سليمان فرنجية. يشكل الاستحقاق الرئاسي أولى المخاضات التي سيخوضها الحزب بعد الحرب. ومن بعدها سيكون طرح مسألة السلاح أكثر تعقيداً. إذ لا يمكن للحزب العودة إلى معادلة السلاح ذاته، والانخراط في الدولة ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية.
سيعيد حزب الله، لا شك، ترتيب بيته الداخلي، الذي شهد في السنوات الأخيرة تمدداً واسع النطاق من حيث العدد، ومن حيث تشعب المهام وتنوعها، والتي ترافقت مع حضورعلني طغى على طابعه السري المعهود.
وطالما أن عهد الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، سيكون تأسيسيًا لمرحلة لم يعهدها اللبنانيون، وفي مقدمهم مناصرو الحزب، فإن التحديات التي تواجه حزب الله تتصاعد نتيجة الشروط والترتيبات المصاحبة لهذا الاتفاق:
1- انسحاب من منطقة جنوب الليطاني: الاتفاق يلزم بإخلاء حزب الله وأسلحته من منطقة عمليات قوات "اليونيفيل"، مما يفرض ضغوطًا كبيرة على الحزب لإعادة ترتيب بنيته العسكرية خارج هذه المناطق.
2- آليات مراقبة دولية: إنشاء آلية دولية للتحقق من الالتزام بالهدنة، يمثل تهديدًا لنشاط الحزب العسكري وسرية عملياته.
3- الضغوط الشعبية والسياسية: إعادة المدنيين إلى مناطقهم، وعودة السيادة اللبنانية قد يثير تساؤلات داخلية حول استمرار تسليح الحزب.
4- التسويات الحدودية: بدء مناقشات حول النقاط الحدودية العالقة قد يخلق تنازلات تتعارض مع مصالح الحزب في الملف السيادي.
5- استحقاق رئاسة الجمهورية واضطرار الحزب لتفويض قراره إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومرحلة الخروج من سليمان فرنجية وإيجاد البديل قبل 9 كانون الثاني.
6- إعادة رسم العلاقة مع المسيحيين ومع السنّة ومصير تفاهم مار مخايل والعلاقة مع التيار الوطني الحر.
7- لبننة القرار السياسي في حزب الله، في مرحلة ستكون سياسية وليست عسكرية، خصوصاً مع رئيس جمهورية وعهد جديد، تحتم عليه ألا يكون جندياً في ولاية الولي الفقيه، وتجعله أكثر استقلالية عن التأثير الإيراني، وأكثر انفتاحاً تجاه القضايا اللبنانية، خصوصاً في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات، ولاسيما في سوريا، ووضعها الذي ينذر بمرحلة شديدة التعقيد.