“لا تكتمل حرية المرأة من دون الحرية السياسية”
د. بلال حفّار
كان مساء الثلاثاء الواقع في 25 شباط 2025 مثيراً للإهتمام في المعهد الفرنسي في طرابلس حيث دار نقاش حول رواية الأديبة الفرنكفونية منيرة أبي زيد “عندما كنت دوستويفسكي” الصادرة عن دار نشر لارماتان. حاور الجمهور الشاعر الدكتور سعيد الولي ومدير المعهد الفرنسي السيد أنطوان الحويك والأديبة التي وقّعت روايتها في نهاية اللقاء.
تكمن المتعة القصوى بالنسبة للكاتب في التفاعل مع الجمهور. هذا ما شعرت به الكاتبة الفرنكفونية منيرة أبي زيد أثناء اللقاء في المعهد الفرنسي في طرابلس. إذ أن الكتابة هي فعل فردي يكتسب طابع جماعي من خلال الحوار. وقد كان موضوع المرأة في قلب اللقاء الذي تميّز بتعدد وجهات النظر والنقاش البنّاء.
تتطرّق رواية “عندما كنت دويتويفسكي” الى وضع المرأة في المجتمع اللبناني من خلال سرد قصة بيترا ولوسي. وهكذا، دار الحوار حول موضوع المساكنة والمرأة العذباء الحامل في لبنان. وقد سأل الدكتور سعيد الولي: “لماذا تمّ إضعاف الرجل الى هذا الحد في الرواية؟” فأجابته الروائية بأن الضعف الذي يعاني منه أليكس الذي شارك بيترا سنوات من الحب في شقتهما في بيروت لم يكن مقصوداً. وقد يكون نابعاً من لاوعي الأديبة التي أرادت أن يكون للمرأة شخصية قوية وطاغية. في الرواية، تنفصل بيترا عن أليكس الذي يريد الزواج منها. وبما أنّها غير متأكّدة من رغبتها في الارتباط، تسافر الى موسكو. أمّا صديقتها لوسي، المرأة العذباء الّتي تحمل في بطنها جنيناً، فتختبئ في بيتها. يبرز في هذا السياق موضوع الهروب من المجتمع من خلال التوجّه الى بلد آخر أو الإنزواء. وقد أضاف الشاعر سعيد الولي أنّنا لا نلمس في الرواية ضغطاً مجتمعياً أو ذكورياً على بيترا ولوسي. “إن الصراع داخلي، فالمرأة اللبنانية تحمل في أعماقها الهوية الشرقية. وهي تتخبّط مع ذاتها وليس مع محيطها. فالتحرّر النسائي ليس سهلاً، بل هو قد يخلق تعارض مع القيم الّمزروعة فينا” أجابت أبي زيد.
الإزدواجية الثقافية والسياسية
بالفعل، تهرب بيترا الى موسكو حيث تقع في حب الهندي نافيم. هذا الرجل، الساحر بجماله الشرق-أقصوي، يعاني من ذكريات تراوده من دون أن يكون قد عاشها فعلاً. هو مسكون بماضي يعود لشخصٍ آخر. ومن هو هذا الشخص؟ الأديب الروسي الكبير دوستويوفسكي. هكذا، يعي هذا الهندي أنه قد عاش حياة دوستويفسكي سابقاً من خلال التقمّس الذي يشكّل جزأً من ثقافته الدينية الأم. فيعود الى بلاده حيث يلتقي ينيلا وهي عجوز تسرد تفاصيل حياتها السابقة لمجموعة من الناس في المستشفى.
هكذا، تتمازج الحياة السابقة مع الحاضر مجسّدة ًإزدواجية على الصعيد النفسي والثقافي. وبما أنّ بيترا تشارك نافيم مغامرته الغير مألوفة، تقرّر العودة إلى لبنان إثر عدم تمكنها من نسيان الإزدواجية الثقافية التي تجسّد إحدى سمات المجتمع اللبناني. وتنعكس هذه الإزدواجية على السياسة خاصةً في مقتطف من الرواية تناولت فيه الكاتبة الأنظمة العربية التي تقمع التعبير عن الرأي والتعاطف مع القضية الفلسطينية. في هذا السياق، أكّدت الدكتورة منيرة أبي زيد: “لا تكتمل حرية المرأة من دون الحرية السياسية. وقد تناولت في الرواية موضوع جوليان أسانج بهدف إبراز القمع العالمي للصحافة.”
وأضافت الدكتورة منيرة أبي زيد أنها تؤيد النسوية المتحرّرة من الإستعمار. وهي تؤكد أن المرأة تتمتّع بحرية أكبر في الغرب، ولكن ذلك لا يعني أن المرأة الشرقية لا يمكنها أن تتحرّر بشكل مستقل عن التأثيرات الخارجية. في هذا السياق، تبرز شخصية عائشة الأفغانية التي تطعن زوجها والجندي الأميريكي قبل أن تلوذ بالفرار. هكذا، تثور هذه المرأة على عنف زوجها واحتلال أرضها. وقد انتفضت بهذا الشكل العنيف بإيعاز من صديقها الوهمي فريلو. وفي هذا الإطار، تؤكد الأديبة أن إسم فريلو يشير في اللغة الإنكليزية الى “القانون الحر”. فهل ستنعم المرأة الشرقية بقوانين تحميها؟ أو سيكون عليها أن تحقّق العدالة بنفسها كما فعلت عائشة؟
The post حفل توقيع رواية الدكتورة منيرة أبي زيد “عندما كنت دوستويفسكي” في المعهد الفرنسي في طرابلس appeared first on .