بعد يوم واحد على نيل حكومته الثقة، قام الرئيس نواف سلام بزيارة ميدانية إلى الجنوب للاطلاع على التدمير الممنهج الذي إرتكبه العدو الاسرائيلي خلال الحرب وبعد إتفاق وقف إطلاق النار في القرى والبلدات الحدودية، والاستماع إلى هواجس ومعاناة أهلها.
في الشكل، أعطت الزيارة إنطباعا إيجابيا بإعتبار أن النشاط الأول لرئيس الحكومة كان في الجنوب، في إشارة إلى إهتمام الدولة اللبنانية بهذه المنطقة التي تشكل لها أولوية إن على صعيد الإعمار وإعادة أهلها إليها، وقبل ذلك ضمان الإنسحاب الإسرائيلي منها وإلزام العدو بتنفيذ القرار ١٧٠١.
أما في المضمون، فإن الزيارة ربما جاءت في توقيت خاطئ كون الرئيس نواف سلام لا يملك أن يقدم شيئا لأبناء الجنوب سوى وعود وإلتزامات غير قابلة للتنفيذ في المدى المنظور، لا سيما في ظل ما أعلنه وزير حرب العدو يسرائيل كاتس عن “ضوء أخضر أميركي لبقاء إسرائيل في النقاط الخمس التي إحتلتها ومن دون مدة زمنية”، فضلا عن الاعتداءات والخروقات والاغتيالات التي تقوم بها من دون حسيب أو رقيب، وكذلك الشروط الكثيرة التي تفرضها أميركا بناء على رغبة إسرائيل حول إعادة الإعمار وفي مقدمها سحب سلاح المقاومة بشكل كامل، والإجراءات التي تفرضها الحكومة لمنع وصول الأموال من أي جهة لتمكين أبناء الجنوب من إعادة بناء منازلهم، وهذا كله يرفضه الجنوبيون وشريحة واسعة من الشعب اللبناني المتمسكين بخيار المقاومة.
ولم تخل زيارة الجنوب من بعض الأخطاء التي وقع بها الرئيس سلام، وأبرزها في التصريح الذي أدلى فيه لدى وصوله إلى ثكنة صور حيث شكر الجيش اللبناني وحيا شهداءه وكذلك قوات الطوارئ الدولية “اليونيفل” من دون أن يأتي على ذكر المقاومة وشهدائها متجاوزا تضحياتها وبطولاتها، وتصديها للعدو الاسرائيلي ومنعه من تحقيق أهدافه على مدار حرب ال٦٦ يوما، الأمر الذي أغضب أبناء الجنوب الذين واجهوا الرئيس سلام في أكثر من محطة وأبدوا استياءهم من مواقفه ومن سلوك حكومته منذ تشكيلها، معتبرين أنها تخضع للإملاءات الأميركية.
كان كلام أبناء الجنوب ثقيلا على الرئيس سلام سواء باتهامه بأنه “لم يذكر المقاومة وشهدائها خوفا من السفيرة الأميركية ليزا جونسون”، أو بمواجهته “بوجود العدو الصهيوني على بعد أمتار منه”، وسؤاله عن “كيفية إخراجه من النقاط الخمس بالدبلوماسية والحوار اللتين يعتمدهما؟”، مؤكدين أنه “لولا دماء المقاومين لما كان هو اليوم في الجنوب”، في حين أكدت والدة أحد الشهداء أن “هذا العدو لا يفهم سوى لغة القوة وأن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة باقية طالما أن العدو يتربص شرا بلبنان واللبنانيين”.
غادر الرئيس سلام الجنوب خالي الوفاض، كونه لم يستطع إقناع بيئة المقاومة بالوعود والالتزامات التي قطعها، خصوصا أن هذه البيئة التي قاومت وصبرت تريد من حكومته أفعالا وليس أقوالا، وهي كانت تنتظر مواقف متقدمة من سلام تشجب وتستنكر الخروقات والغطرسة الاسرائيلية وليس التغاضي عنها مع وزير خارجيته يوسف رجي الذي سلّم بالاحتلال، معتبرا أننا “لا نستطيع مواجهة إسرائيل بالقوة”، وهو منطق مرفوض من البيئة التي طردت إسرائيل في العام ٢٠٠٠ بقوة المقاومة وواجهتها في العام ٢٠٠٦ وهزمتها وفرضت قوة ردع وتوازن رعب على مدار عقدين من الزمن.
The post زيارة سلام إلى الجنوب بين الشكل والمضمون!.. غسان ريفي appeared first on .