العالم يتغيّر بسرعة خيالية، ونشاهد التغيير مباشرة على شاشات المحطات الإعلامية المرئية ومواقع التواصل الاجتماعي.
المنطقة تتغير. وستشهد تطورات دراماتيكية خطيرة في ظل الاندفاعة الإسرائيلية غير المسبوقة والخارجة عن أية ضوابط لتستكمل مشروع تفتيت الدول وتنظيم الفتن الطائفية والمذهبية فيها، والسيطرة على مواردها وخيراتها، لتقوم اسرائيل الكبرى على ركام فلسطين بعد تهجير أهلها وعلى أجزاء من أراض عربية. ما يجري ليس أمراً خفياً، لا نتحدث هنا عن تحليلات أو قراءات أو توقعات أو اجتهادات. إنها الوقائع على الأرض وهي عنيدة، تعبّر عنها الممارسات المتجاوزة بالمطلق كل القوانين والمواثيق والقرارات الدولية والهيئات والمنظمات الصادرة عنها. أميركا تمسك بمفاصل القرار. اسرائيل مطلقة اليد والصلاحيات!في لبنان خبرنا لعبة الأمم. كيف تستخدمنا وتستخدم غيرنا في مناطق أخرى. كيف تبدأ. كيف تدمّر دولاً ومجتمعات وتزرع أحقاداً نحتاج إلى أجيال للحد من تأثيراتها. ثم كيف يتقاسم اللاعبون المغانم والمصالح والأدوار.
جَرّبنا كل شيء. جُرّبنا في كل شيء. استَخدمنا كل شيء. استُخدمنا في كل شيء. فرح كل طرف منا لدفن رموز الطرف الآخر. والمطحنة مستمرة، تدور فوق رؤوس الجميع، ولا نتعلّم، في وقت نرى دول العالم والمنطقة تنجذب إلى لبنان. هذا "المغنطيس" الاستثنائي، ويقول كثيرون: هنا نتعلّم الدروس السياسية العلمية والعملية. فهل يعقل ألاّ يتعلّم اللبنانيون ويوقفوا هذه المطحنة؟
لقد ترسّخت لدّي قناعة، من يحترف السياسة في لبنان يمكنه قراءة السياسة في العالم. ولبنان يُقرأ من الخارج ومن لبنان يمكن قراءة الخارج.اليوم، البلد يخرج من محنة كبيرة، آثارها مدمرة، يخضع لشروط وإملاءات وضغوط وسياسات خطيرة. ليس ثمة رابح أو خاسر فيه، ولا يجوز أن يستقوي أي طرف داخلي بانتصار طرف خارجي على أرضنا، فكيف إذا كانت إسرائيل أو قوى أو دول تريد تحقيق مصالحها على حسابنا بسبب تمزّقنا وعدم الاستفادة من تجارب الماضي والوقوع في مطبات التهوّر وسوء التقدير وسوء التدبير؟ بالكاد إذا توحّدنا يمكن أن نمحو آثار المحنة ودمارها. هموم اللبنانيين واحدة لماذا لا تكون اهتماماتهم واحدة؟
انتخب رئيس للجمهورية، مواقفه وطنية صادقة صريحة جامعة استيعابية لكل ابناء البلد، ويبدي حرصاً على ألا يكون ثمة من يشعر بالهزيمة. شكّلت حكومة تضم بطريقة أو بأخرى ممثلين للقوى السياسية ونالت الثقة. هذه فرصة يجب ألاّ تهدر بل هذه أمانة. الرئيس وحده لا يستطيع أن يفعل شيئاً. الحكومة وحدها من دون التزام عملي بما اتفق عليه لا تستطيع أن تنجح والأعباء ثقيلة. ثقة المجلس يجب أن تتكرس ثقة داخل الحكومة. والقوى السياسية يجب أن تبدأ مساراً آخر في علاقاتها بين بعضها البعض يُخرج هذه العلاقات من دائرة "اللاثقة". نحن بحاجة إلى العقل الجماعي اللبناني للإنقاذ. نحن لسنا في مرحلة تحقيق الأرباح. أقصى ما يمكن أن نحققه هو الحدّ من الخسائر، والتدرّج في الخطوات نحو تحقيق الأهداف الجامعة، التي أُعلنت في خطاب القسم والبيان الوزاري.أقول ذلك اليوم، بعد أن تناولت الموضوع ذاته عندما توقفت الحرب في البلد. نشرت عام 1992 -في أربعة أجزاء- التعليقات السياسية التي قدمتها في "صوت الجبل" خلال الحرب. كتبت مقدمة الخارج من تلك التجربة المريرة وكانت الخلاصة خاتمة المقدمة كالتالي: "... هل ندرك أن الدولة التي لا تربح شعبها ليست دولة؟ وأن الشعب الذي لا يربح دولته يبقى مصيره في مهبّّ الريح؟ فكيف إذا خسرت الدولة شعبها وإذا خسر الشعب دولته وقضيته؟ هل ندرك أن من يعرف كيف يربح شاطر ومن يعرف كيف يخسر أشطر؟ إن الكارثة الكبرى أن نكون شعباً لا يعرف كيف يربح ولا يعرف كيف يخسر. إذا كان ما نشهده اليوم هو منعنا من الحلم فلا شيء يمنعنا من التحدي".
التحدي اليوم: أن نعرف كيف نخسر. فهل نحمله بروح وطنية صافية صادقة؟