فيما فشلت المناقصات التي طرحتها حكومة تسيير الأعمال السورية لتوريد النفط الخام والمحروقات، تسعى الحكومة إلى تأمين المواد النفطية بشتى الوسائل، نظراً لحاجة محطات الكهرباء والمنشآت الصناعية والمواطنين إلى هذه المادة الحيوية، التي تعتبر السلعة الأهم حالياً، في ظل العتمة التي تعيشها معظم المحافظات السورية وتوقف عجلة التصنيع منذ سقوط النظام.
عراقيل وثغراتوكانت وزارة النفط والثروة المعدنية طرحت 6 مناقصات لتوريد النفط الخام الثقيل، والنفط الخام الخفيف، والفيول أويل، والغاز المنزلي، والبنزين أوكتان 90، والمازوت، وبالرغم من مهنية المناقصات وإشارتها إلى الالتزام بتشريعات مجلس الأمن التي تتعلق بمنع تداول النفط الخام بشكل غير قانوني، إلا أن هناك ثغرات في طريقة الطرح، تجعل مشاركة المستثمرين فيها مسألة محفوفة بالمخاطر.ويرى الباحث ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم، أنه كان من المهم استخدام علاقات الحكومة مع الدول الخليجية بغية جذب مستثمرين إقليميين أو دوليين، لتحقيق عنصر المنافسة إضافة إلى كسر حالة الجمود في التعامل الخارجي مع الحكومة السورية.ويؤكد الكريم خلال حديث لـ"المدن" على وجود حالة رفض ينتهجها المستثمرون في الخارج للمساهمة في دعم الحكومة بشكل حقيقي، رغم كل اللقاءات التي تم إجراؤها معهم، ما يؤثر سلباً على طرح مثل هذا النوع من المناقصات التي تفشل في معظم الأحيان بسبب رفض المستثمرين التعاون مع الحكومة الحالية.وينتقد الكريم شرط الوديعة البالغة 500 ألف دولار الذي تنص عليه المناقصات، معتبراً أنه يشكل أزمة ثقة بين المستثمر والحكومة. إذ يتخوف المستثمرون من لجوء الحكومة إلى تجميد السيولة وعرقلة سحب الودائع.ويلفت إلى أن قانون قيصر والعقوبات الغربية ستزيد من أكلاف الحصول على النفط من المصادر الدولية، لأن المستثمرين في الخارج يخشون من أي غرامات غربية تجعلهم يمتنعون عن الدخول في المناقصات التي تطرحها الحكومة قبل رفع العقوبات.عقبات مصرفيةوتشكل العراقيل التي تضعها الحكومة أمام الشبكة المصرفية وعمليات السحب والإيداع ولجوء المصرف المركزي إلى تجميد السيولة أبرز العوائق أمام إنجاح مناقصات التوريد التي تطرحها وزارة النفط.ويلاحظ المحلل الاقتصادي محمد صالح الفتيح، أن المستثمرين الذين يضطرون إلى استعمال الشبكة المصرفية السورية يخشون احتمال عدم قدرتهم على سحب رؤوس الأموال التي أرسلوها إلى سوريا، نتيجة التقييد غير المعلن للعمليات المصرفية.وينوه خلال حديث لـ"المدن" إلى أن أحد أسباب عدم تعاون شركات توريد النفط مع طلب وزارة النفط السورية توريد ما يصل إلى 6 مليون برميل من النفط، هو الخشية من الصعوبات المصرفية في استلام وتحويل قيمة النفط المورد خصوصاً أن وزارة النفط اشترطت على الموردين إيداع نصف مليون دولار عند توقيع كل عقد على أن تعاد عند الاستلام.من أين تدخل المحروقات؟ويبدو أن فشل العطاءات المتعلقة بتوريد النفط قد أجبر الحكومة على عقد اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية لاستجرار النفط والغاز الطبيعي من شمال شرقي سوريا، ينص على تزويد دمشق بـ15 ألف برميل من النفط ومليون متر مكعب من الغاز يومياً، لمدة أولية تمتد لثلاثة أشهر قابلة للتمديد.وفي السياق، افتتحت وزارة النفط بئر "تيأس 5" بريف حمص، بطاقة إنتاجية تبلغ 130 ألف متر مكعب من الغاز يومياً، وتم وضع البئر في الإنتاج وربطه بالشبكة الغازية، بهدف تأمين مادة الغاز المنزلي ودعم محطات توليد الطاقة الكهربائية.كما أنهت الوزارة أعمال صيانة معمل الغاز في مدينة اللاذقية وتمكنت من زيادة القدرة الإنتاجية من 700 أسطوانة يومياً إلى ألف و100 أسطوانة، وفقاً لتصريحات رسمية.وتحصل البلاد على الغاز من مصدر آخر وهو شحنات الغاز المسال التي تدخل عبر معبري السلامة وباب الهوى، كما يمكن ملاحظة انتشار البنزين والمازوت المستوردين عبر هذين المعبرين إضافة للمحروقات الآتية من لبنان عبر التهريب، بشكل كبير في الكازيات والبسطات على حد سواء.ورصدت "المدن" التفاوت الكبير في أسعار المحروقات بين إدلب والمحافظات الأخرى، حيث تباع أسطوانة الغاز في إدلب بـ13 دولاراً، بينما يصل سعرها في السوق السوداء بدمشق إلى 20 دولاراً، وفيما تنضبط أسعار المازوت والبنزين في إدلب يمكن ملاحظة حالة الفوضى السعرية التي تطاول هاتين المادتين في المحافظات الأخرى.