يتابع مسرح "شغل بيت"، العمل على نصوص الثنائي الإيطالي داريو فو وفرانكا راما، التي تحاكي الاضطهاد الاجتماعي وحقوق المرأة. بعد "مرا لوحدا"، يأتي عمل جديد يتحدّر من الأساطير الاغريقية وشخصية "ميديا" التي كُتبت في أكثر من نسخة وفي عصور متعددة، من "يوربيدس" إلى "سينيكا" وصولاً إلى النسخة الإيطالية في القرن الماضي مع داريو فو وزوجته فرانكا راما متسوحيَين الشخصية التراجيدية الإغريقية التي هجرها زوجها لتستحوذ عليها مشاعر الغضب الانتقامي، فيما تتأرجح وتعاني نفسياً حتى تصل إلى القتل.عُرضت "ميديا" للمرة الأولى العام 431 قبل الميلاد في أثينا، من كتابة يوربيديس الذي استند فيها إلى أسطورة جاسون وميديا الإغريقية. أعيد اكتشافها مرة أخرى في القرن السادس عشر، ثم بقيت جزءاً من الذخيرة التراجيدية، وصارت المأساة اليونانية الأكثر شيوعاً في القرن العشرين، وشهدت اهتماماً متجدّداً بأثر من الحركة النسائية في أواخر القرن الماضي. وفُسِّرت على أنها تصوير دقيق ومتعاطف لصراع تخوضه ميديا في تولّي زمام حياتها وسط عالم يسيطر عليه الرجال.في نسخة داريو فو–فرانكا راما، لا تتمتع ميديا ​​الإيطالية بالبرودة والسخرية التي كانت اتسمت بها بطلة سينيكا والكتّاب الأوروبيين الذين تبعوها، ولا تسترشد بالغريزة الجنسية وجمال السحَرة، بل على العكس من ذلك، فهي امرأة واعية للغاية، تكافح ضد الاضطهاد الذكوري، بهدف تأمين حقوقها.إنها تقاتل من أجل شخصيتها في حد ذاتها، وليس من أجل إنجاب الأطفال. تظل امرأة لديها رغبة في الانتقام من الخيانة، لكنها أيضًا صاحبة معرفة ذاتية ونضال من أجل الاعتراف بحقوقها. "ميديا" اللبنانيةامرأة وهبت حياتها وحبّها لزوجها، لكنه يخذلها ويتخلّى عنها، فتُواجه صدمة الخيانة والعزلة، بينما تراقبها نساء الحيّ اللواتي يحاولن إقناعها بقبول الواقع. قُدمت "ميديا" في مسرح "مونو"، في محاولة اقتباس ولبننة من ديمتري ملكي، وإخراج كريس غفري، وأداء منفرد لماريال بيدروسيان. نسخة عصرية وعناصر سينوغرافيا عديدة من بينها اللوحات التشكيلية من وسام ترحيني والستائر وعربة الأطفال القديمة. أشرف على العمل شادي الهبر والمساعدة الاخراجية من علي بيضون وتصميم الإضاءة من توفيق الصفاوي.أداء مونودرامي يحاكي كلاسيكية المكان، ومونولوغ طويل تتحول فيه دوافع القتل إلى مانفيستو يبتعد عن دراما الغضب والغيرة، ليتحول إلى نص فيه الكثير من المراجعة والتقدم في الوعي الذاتي. حكاية خيانة شخصية تتحول إلى جريمة حق عام وانتهاك حقوقي للمرأة في المجتمع عبر العصور.بيدروسيان مشحونة في أدائها من اللحظة الأولى، تتداخل شخصيتها الملبننة بين ميديا الايطالية وميديا الإغريقية. بين الخطابة القديمة لإمرأة يوربيدس الهادئة، وامرأة داريو فو الذي أزال عنها الجانب الأسطوري في كونها ساحرة تستعين بسحرها للوصول إلى مبتغاها، لتصبح امرأة واعية تتحدث بلغة عصرية وبغضب أنثوي ظاهر في سلوكياتها ونزعاتها لإبراز الحق النسوي الموازي لحق الانتقام.كريس غفري، في تجربته الاخراجية بعد التمثيلية، انحاز إلى أسلبة الأداء وخَطابته، كما انحاز الى الفضاء الكلاسيكي القديم على الخشبة أكثر من روحية داريو فو وعصرنته، بجعل شخصية "ميديا" امرأة ثائرة على مجتمعها وسلطاته، لا سيما الذكورية منها. وتبقى ميديا في عصورها المختلفة، لا سيما في القراءات النسوية المعاصرة، إما استكشافاً متعاطفاً لـ"مساوئ كونك امرأة وأمّاً في مجتمع أبوي"، أو كتعبير عن مواجهة مواقف معادية للمرأة.