بمجرد أن أثار بيان القمة العربية إستياء العدو الإسرائيلي، فهذا يعني أنه ولأول مرة نجح في أن يلامس الواقع القائم في فلسطين، لجهة الرفض المطلق لتهجير أهلها في قطاع غزة والضفة الغربية، والتأكيد على المضي في حل الدولتين وإعمار القطاع وفقا للخطة العربية الشاملة، لكن ما يثير الإستغراب أن رفض إسرائيل لمضمون هذا البيان وللخطة لم يحرك ساكنا لدى الدول العربية وجامعتهم التي كان يفترض بها أن تصدر بيانا تشجب فيها لغة الاستخفاف غير المسبوقة التي تعاطى بها العدو الصهيوني مع قمة تجمع كل العرب.


لا شك في أن القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في القاهرة حول القضية الفلسطينية قد إستشعرت الخطر مما تحيكه أميركا وإسرائيل للفلسطينيين ومعهم لكل من مصر والأردن وفق قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، لذلك فقد شدد بيانها على “الخيار الاستراتيجي العربي الذي يحقق السلام العادل والشامل في المنطقة ويلبي جميع حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وبما يضمن إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه أو داخلها، وتحت أي مسمى أو ظرف أو مبرر، باعتبار ذلك انتهاكا جسيما للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا”، وكذلك إدانة “سياسات التجويع والأرض المحروقة في غزة والهادفة لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل من أرضه”.


وإذا كان من إيجابيات القمة التأكيد على تثبيت حق الفلسطينيين في أرضهم، فإن من السلبيات وربما من الفشل أنها لم تتخذ أية خطوات عملية للدفاع عن الفلسطينيين ضد التصعيد الإسرائيلي الذي أدى إلى تجويعهم وحصارهم، فضلا عن تباطؤ ومماطلة إسرائيل في إتمام صفقة تبادل الأسرى لأسباب واهية يسعى من خلالها رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو إلى تأخير إعلان هزيمته الكاملة من السابع من أكتوبر إلى وقف إطلاق النار، بعدما فشل في تحقيق أهداف الحرب في القضاء على حماس وإستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة.


وبدت القمة في هذا الإطار عاجزة عن إيقاف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من ٧٥ عاما على الفلسطينيين أو الضغط لكسر قرار منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة أو حتى عن التهديد بإجراءات قد تتخذها الدول العربية المجتمعة حيال إصرار العدو على ممارسة كل أنواع الغطرسة والعدوانية على الشعب الفلسطيني، حيث إكتفت القمة كما هي العادة بالإدانة التي لا تسمن ولا تغني من أمن وتحرير.


وترى مصادر مواكبة أن “أي محاولة لتجريد الفلسطينيين وتحديدا حركة حماس من السلاح من دون إجراء مماثل على الجانب الإسرائيلي هو تحويل الفلسطينيين إلى شعب أعزل، الأمر الذي سيغري إسرائيل في المستقبل القريب للثأر منهم بعد تداعيات السابع من أكتوبر، خصوصا أن تاريخ الصراع يشهد على العدوانية الاسرائيلية تجاههم وعلى المجازر التي لا تعد ولا تحصى المرتكبة من قبل الصهاينة بحقهم”.


كذلك، فإنه بالرغم من الاحتلال الاسرائيلي الموصوف للبنان والاعتداءات اليومية التي تنتهك سيادته الوطنية في ظل القرار الدولي ١٧٠١ وإتفاق وقف إطلاق النار، ومن الاجتياح الصهيوني للأراضي السورية والتوغل في عمقها وصولا إلى مشارف دمشق والاعتداءات المستمرة على مختلف المناطق، فإن القمة العربية لم تمتلك سوى الإدانة والمطالبة وحث المجتمع الدولي ومجلس الأمن للتحرك، في وقت تطيح فيه إسرائيل بكل بالشرعية الدولية وبقرارات مجلس الأمن وصولا إلى قصفها قوات اليونيفل في لبنان من دون حسيب أممي أو رقيب دولي.


كل ذلك، يؤكد أن القمة ربما تكون نجحت في التوصل إلى إتفاق عربي شامل على رفض تهجير الفلسطينيين والموافقة على إعمار قطاع غزة، لكنها أخفقت في فرض خطوات عملية لردع إسرائيل عن عدوانها المستمر، ما يؤكد الحاجة إلى تغيير جذري في أسلوب التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية والأزمتين اللبنانية والسورية، يتجاوز المطالبات التقليدية نحو ضغوط حقيقية تجبر إسرائيل على التراجع، إلا أن المحاباة والتنويهات التي ساقها بيان القمة للولايات المتحدة الأميركية التي ترعى إسرائيل وإعتداءاتها وتقدم لها المال والسلاح تؤكد العجز الكامل عن المواجهة.




Related Posts

  1. الانتخابات البلدية.. هل ينجح العهد في إنجازها !.. ديانا غسطين
  2. العلاقات اللبنانية السعودية على طريق الزمن الجميل!.. حسناء سعادة
  3. طرابلس تستقبل رمضان بحركة أسواق نشطة وحسابات دقيقة!.. صبحية دريعي




The post القمة العربية في ميزان النجاح والفشل!.. غسان ريفي appeared first on .