لن تتأثر وزارة التربية كثيراً بتداعيات القرار الأميركي وقف كل مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لناحية قدرتها على استكمال العام الدراسي الحالي. فقد شارف العام الدراسي على نهايته، والموازنة العامة، التي أقرتها الحكومة مؤخراً، تضمنت زيادة موازنة بعض البنود الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على حسن سير العام الدراسي. لكن هذا لا يعني أن تداعيات القرار الأميركي ستكون بسيطة، لا سيما أن المانحين الدوليين بدأوا بسياسة تخفيض الانفاق على المساعدات الإنسانية. صحيح أن التمويل الدولي لوزارة التربية عبر منظمة اليونيسف (ستتأثر كثيرا من القرار الأميركي) ليس كبيراً، ويمكن تلافي أثره السلبي من خلال مالية الدولة، إلا أن تحديات الحكومة اللبنانية لتأمين بدائل لتراجع التمويل الدولي لا يقتصر على قطاع التربية، بل يشمل كل القطاعات الحيوية. هذا في وقت يعاني فيه لبنان من تداعيات الحرب الأخيرة.
أثر الدومينووحول هول الكارثة المقبلة، تشير مصادر أممية مطلعة إلى أن لبنان تأثر لناحية دعم خطة الاستجابة الإنسانية بخفض 30 بالمئة من تمويل الخطة على خلفية القرار الأميركي. والتوقعات هي بانخفاض التمويل بنسبة 30 بالمئة إضافية، بسبب لجوء المانحين الدوليين إلى تخفيض الانفاق على المساعدات الدولية الإنسانية، بعد القرار الأميركي. صحيح أن قطاع المياه هو الأكثر تضرراً في لبنان بسبب القرار الأميركي، لكن مختلف القطاعات لحقها تخفيض كبير في التمويل. وسبب تأثر قطاع المياه أن 85 بالمئة من تمويل مشاريع المياه كانت من الوكالة الأميركية بشكل أساسي، ما تسبب بتوقفت كل هذه المشاريع. وبالتالي فإن تداعيات القرار ستظهر تباعاً، في حال طال أمد توقف أميركا عن المساهمة بالتمويل الدولي لشق المساعدات الإنسانية. فلهذه التداعيات أثر دومينو لأن التمويل يشمل كل القطاعات. مصادر التمويل الدولي للوزارةبما يتعلق بوزارة التربية كان التمويل يقوم على ثلاثة مشاريع أساسية هي: مشروع S2R2 الممول من البنك الدولي (هبة وقرض بقيمة نحو 204 مليون دولار) ومشروع "كتابي" الممول بنحو تسعين مليون دولار من الوكالة الأميركية، ومن تمويل منظمة يونيسف الذي يمر عبر "الصندوق الائتماني للتربية" (نحو 50 مليون دولار) والذي توقف بشكل نهائي.وصحيح أن الوزارة لا تتأثر بشكل مباشر على مستوى التمويل (الوكالة تنفذ المشاريع وتسلمها للوزارة ولا تدفع الأموال للمصدر) إلا أن انعكاساته لا تطال الوزارة بل تشمل الموردين.وقف فوري لـ"كتابي"تكشف مصادر مطلعة على المشروع أن الأمر وصل إلى حد وقف كل المشروع بشكل فوري، ومنع التواصل بين القيمين عليه والوزارة. وقد طال القرار صرف نحو مئة موظف في الوكالة الأميركية في المشروع ووقف تنفيذ مشروع تطوير المدارس وكل التدريبات في الوزارة.هذا المشروع ينفذ بشكل أساسي في المركز التربوي للبحوث والإنماء، لكن هناك أجزاءً منه في مديريات "التربية" لناحية التدريب وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وغيرها. كما يتضمن المشروع تجهيز المدارس بالشاشات والأجهزة الالكترونية، الذي طال تجهيز جميع المدارس الرسمية حتى الصف G6. توقف حالياً استكمال تجهيز المدراس حتى الصف G9. ولن تقتصر تداعيات وقف المشروع على المدارس الصيفية (لن تتمكن الوزارة من تنظيم المدرسة الصيفية الفصل المقبل) بل تطال حتى تطوير المناهج التربوية. أما خارج الوزارة فتتأثر كل الشركات الموردة التي كانت تتعاون مع الوكالة في تجهيز المدارس. وهذا ينعكس بدوره على صرف موظفين وتأثير على الدورة الاقتصادية.نفاذ أموال مشروع البنك الدوليأما بما يتعلق بمشروع S2R2 الذي قامت وزارة التربية عليه (استخدمت جزءاً منه لدعم حوافز الأساتذة) باتت أمواله في طور النفاذ. فهذا المشروع الذي كان هدفه توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان (هبة وقرض من البنك الدولي) انتهى عملياً ولم يعرف مصير الأموال وكيفية انفاقها. فحالياً الأموال المتبقية تكفي لتسديد رواتب بعض الموظفين لأشهر معدودة. أما الجزء المتعلق بترميم وتأهيل المباني المدرسية فهو متوقف بدوره لعدم وجود أموال. فقد ألغيت مناقصات لترميم مدارس، قبل توقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، من دون معرفة السبب لتوقفها أو أين أنفقت الأموال المتعلقة بالترميم.وعليه لم يبق أمام الوزارة إلا مصدر التمويل الأخير المتعلق بمنظمة اليونيسف، أي تمويل صناديق المدارس الرسمية والكلفة التشغيلية للمدارس وحوافز الأساتذة المستعان بهم، إضافة إلى التعليم غير النظامي.تمويل اليونيسفبلغ إجمالي إنفاق اليونيسف على التعليم في لبنان 138 مليون دولار في العام 2024، نحو خمسين مليوناً منها في وزارة التربية عبر "الصندوق الائتماني للتربية". لكن اليونيسف تأثرت بشكل كبير جراء القرار الأميركي لأن جزءاً كبيراً من تمويلها الدولي مصدره الولايات المتحدة الأميركية. وبالتفصيل فإن نحو 12 بالمئة من تمويل مشاريع التربية في المنظمة مصدره أميركي. وهناك مصدر آخر أساسي بالتمويل لليونيسف هو بريطانيا، التي خفضت مساهمتها الدولية لدعم خطط الاستجابة الإنسانية. ومن تداعيات القرار الأميركي، تستعد اليونيسف لصرف مئات الموظفين في شهر نيسان المقبل، مثلها كمثل باقي وكالات الأمم المتحدة. ما يعني أن العاصفة ستطال وزارة التربية في لبنان لناحية خفض التمويل.مصادر مطلعة في وزارة التربية تقلل من تأثير القرار الأميركي في الوقت الحالي. وتشرح أن التداعيات الفورية للقرار الأميركي اقتصرت على التأمين الصحي في المدارس، الذي كان يفترض أن تموله الوكالة الأميركية. وستعمل الوزارة على إيجاد البديل، لأن المبالغ ليست كبيرة.أما بما يتعلق بتأثير القرار الأميركي على اليونيسف، فتشدد المصادر على أن "الوزارة" لن تتأثر لناحية استمرار العام الدراسي. تم مؤخراً دعم صناديق المدارس بنحو 5 ملايين دولار من خلال "الصندوق الائتماني للتربية". هذا فضلاً عن أن الموازنة العامة لحظت رفع تمويل صناديق المدارس. كما لحظت الموازنة رفع قيمة الحوافز المالية للأساتذة.على المدى القريب لا تأثير "كارثياً" للقرار الأميركي على وزارة التربية. جزء كبير من تعليم النازحين السوريين الذي تتكفل به اليونيسف بات بعهدة الجمعيات المدنية. لكن في العام المقبل وفي حال لم يتم التوصل إلى حلول لمعضلة النزوح، ستتفاقم أزمة وزارة التربية وباقي الوزارات المعنية. زد على ذلك أن الحكومة ليست أمام تحدي تأمين بدائل تمويل لوزارة التربية فقط، بل لكل القطاعات في الدولة.