وكأنّ التحديّات الدّاخلية التي تواجه حكومة القاضي نوّاف سلام، وهي كثيرة، لا تكفي، ذلك أنّها تجد نفسها اليوم أمام تحديّات خارجية مصيرية، لا تهدّد الإستقرار الدّاخلي الهشّ فقط، إنّما تجعل البلد كلّه يقف أمام مفترق طرق مصيري، وهو الذي لم يغادر هذا المفترق، إلّا نادراً، منذ تأسيسه قبل أكثر من مئة سنة.
تحديّان إثنان يتربّصان بلبنان هذه الأيّام ولا يُنتظر أن يزولا في وقت قريب، سواء بفعل جهد الحكومة في مواجهتهما، برغم إمكانياتها القليلة، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً، أو بالإتكال على تطوّرات وجهود خارجية لتخفيف تداعيات التحديين، لأنّه ليس هناك في الأفق القريب ما يشير إلى تطوّرات إيجابية يمكن التعويل عليها.
التحدّي الأوّل يأتي من الجنوب على خلفية تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولم تزل مفاعليه مستمرة. فمنذ التوصّل إلى وقف لإطلاق النّار بين الجانبين في 27 تشرين الأوّل العام الماضي، وإقرار هدنة لمدّة 60 يوماً إنتهت في 26 كانون الثاني الماضي وتمّ تمديدها إلى 18 شباط الفائت، إنقضت المهلة والوضع ما يزال على حاله لجهة بقاء الإحتلال الإسرائيلي في مناطق جنوبية، واستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، تمثّل في قيام الإسرائيليين بشنّ أكثر من 30 غارة على مناطق لبنانية مختلفة يوم الجمعة الماضي، ما أثار تساؤلات وهواجس حول دور لجنة وقف إطلاق النّار مع بقاء أجواء الحرب والعدوان على لبنان مستمرة، مع استمرار بقاء عدد كبير من اللبنانيين نازحين خارج مناطقهم في الجنوب نتيجة الدّمار الكبير الذي أصاب منازلهم، ورفض إسرائيل الإنسحاب بشكل كامل من لبنان وفق القرار الدولي 1701، بعد إعلانها البقاء عسكرياً في خمس نقاط إستراتيجية في الجنوب وعدم الإنسحاب من لبنان في المستقبل المنظور.
واللافت في الأمر أنّ الحكومة اللبنانية تتعاطى مع هكذا ملف مصيري، وسط إنقسام داخلي حاد، وكأنّها بموقع المراقب المحايد وليس المعني مباشرة بمصير البلد بمجمله، تاركة زمام الأمور لجهات خارجية تهتم بمصالح وأمن إسرائيل أكثر من اهتمامها بمصالح وأمن لبنان.
أمّا التحدّي الثاني فيأتي من الشّمال، بعد نزوح آلاف الأشخاص من السّاحل السّوري إلى لبنان في أعقاب التطوّرات الأمنية المتلاحقة هناك، ما أثار موجة من القلق خشية أن يؤدي ذلك لانتقال التوتر الأمني السّوري إلى الشّمال اللبناني، وتحديداً في عكّار وطرابلس، ما دفع الأجهزة الأمنية اللبنانية المختلفة إلى الإستنفار لتدارك الوضع ومنع انفلاته.
ففي حين كان لبنان يأمل أن تشهد الأيّام المقبلة عودة كبيرة للنّازحين السّوريين إلى بلدهم، وتخفيف العبء عنه، جاءت موجة النّازحين الجدد لتعيد الأمور مجدّداً إلى نقطة الصفر، وسط تساؤلات حول ما ستقوم به الحكومة لمواجهة ملف النّازحين السّوريين، بالإجمال، بعدما بقيت الحكومات المتعاقبة منذ بدء الأزمة السّورية في العام 2011 تتعامل باستحياء وقلة حيلة مع نزوح أكثر من مليوني سوري إلى لبنان.
The post تحديّان يواجهان لبنان جنوباً وشمالاً.. ماذا ستفعل الحكومة؟.. عبدالكافي الصمد appeared first on .