بعد أيام قليلة، تنخرط القوى السياسية بالمعارك الانتخابية لاثبات نفوذها وحضورها من البلديات الكبرى حتى عموم المناطق النائية، ولن يخلو الامر من سوريالية المشهد الذي سيعم لبنان مع أطنان أوراق العمل والبرامج الانتخابية، وسيترافق ذلك طبعا مع “فيضانات” من الشعارات حول اهمية البلديات كسلطة محلية، وغياب التنمية ومركزية الدولة، في ظل خطاب المظلومية المعهود، بينما المطلوب حث الناخبين على الاقتراع بوجه الخصوم في البيت البلدي الواحد .
لكن على سيرة التنمية وأوضاعها، يفتح النقاش حولها المجال واسعا امام الغوص في الدعوات صوب اللا مركزية الادارية او الموسعة، وهي اشكالية حقيقية لا تخفي برغبات عن فدرالية مبطنة، فبين “مناطقهم ومناطقنا” او اثارة حقوق الطوائف كونها مضطهدة ومظلومة، وفق تقدير الزعيم ومصلحته والتي قد تنتهي بحصة في السلطة، يكون الداء الحقيقي حول سعي حثيث بعدم تطوير الحياة السياسية والحزبية والابقاء على الطابع الزعاماتي او العائلي .
ثمة هواجس ان لم يكن خوف حقيقي على فكرة الانتماء الوطني، او الاعتراف بمنطق الدولة الراعية كما اراد الرئيس الراحل فؤاد شهاب وفشل، لينسحب من الحياة العامة مطلقا شعار “أكلة الجبنة” على طبقة سياسية فاسد.
ليس من خلاف، حول الحاجة الملحة الى تنمية حقيقية في بلد انهكته النزاعات والصراعات، وليست بالضرورة أن تكون “حروب الاخرين على ارضنا” لكن ينبغي الاعتراف بالتخلف المعمم في لبنان، في السياسة كما والمجتمع والشأن العام، فمن المنتظر أو المؤكد رفع شعارات خلال الحملات الانتخابية من نوع “الميناء القوية” او “طرابلس اقوى”، “اميون الحضارة” و”حلبا التاريخ”، هذا لا يعبر عن مظاهر شوفينية والدفاع عن هوية محلية مفترضة بقدر ما هو انغلاق صوب الزواريب الضيقة، ومقاربة الشأن البلدي بمفهوم الحظي بالسلطة ولو على دسكرة صغيرة، هو شراهة السلطة كما حاصل على مستوى الوزارة والحكومة .
طبول المعارك الانتخابية اقوى من العمل على تامين تنمية حقيقية، وكذلك تعميم منطق الدولة بكونها الراعية لمواطنين وليس جماعات على هيئة احزاب متصارعة، فبالتالي سيبرهن لبنان من جديد عن جدارته بتفويت الفرص، هذا يترافق مع اضطراب وعدم استقرار في العمل السياسي وعدم تلمس تغيير حقيقي من عند رفع السقف بخطاب القسم، بينما الناس تتلهف الى انجازات حقيقية وسط معدلات خطيرة عن نسب الفقر والبطالة .
الانتخابات البلدية، كما قضايا اخرى مثل الودائع المصرفية والاقتصاد المنهار والدولة المفككة، فضلا عن معضلة التضخم الوظيفي في القطاع العام وصعوبات عمل القطاع الخاص، كلها هموم متراكمة، لاتقل اهمية عن حصرية السلاح او سياسة لبنان الخارجية، او حتى “السيادة” وسط الاجماع عليها لكن يكمن الانقسام حول تفسيرها .
The post الانتخابات البلدية.. التنمية المحلية مجرد شعار!.. مصباح العلي appeared first on .