لا يُبنَى وطنٌ ويزدهرْ من دون دولةٍ، دولةٌ تَحفظُ مصالحَ شعبِه وتَستثمرُ ثرواتِه، وتصونُ حدودَهُ، وتُديرُ مرافقَه، وتُنظِّمُ علاقاتِه مع الدُوَلِ الأخرى.. كما تَحفظُ أمنَ سُكانه، وسلامةَ أراضيه، وتحتكر حق امتلاك أدوات ووسائل العنف واستعماله في حدود القانون.والوطنُ كأرضٍ وشعبٍ وإدارةٍ ومؤسسات، قد يكونُ موجوداً وحقيقياً، لكنَّهُ ليس سيداً في غياب دولتِهِ الوطنيَّة، لأنَّ السيادةَ تَعْني قيامَ الدولة، والدولةُ تلكَ تكونُ سيدةً على حدودِها وداخلَ حدودِها، وينبثقُ عن السيادة على الحدود سياسةٌ دفاعيةٌ وعسكريةٌ يتأمَّنُ من خلالِها الدفاعُ الوطني وتقريرُ خياراتِ السِلْمِ والحربِ والأمنُ القومي.
كما تَنبثقُ عن دولةٍ سيدةٍ على حدودِها، سيادتُها الماليةُ والقانونيةُ والجمركيةُ وإستيفاؤُها الرسوم المالية، عن عبورِ البضائعِ والرَساميلِ وضَبطِ حَرَكةِ دخولِ وخروجِ الأفراد، مواطنينَ وأجانب.
والسيادة أيضاً تتضمَّنُ الحقَّ الحصري للسلطاتِ العامة، بتسييرِ دينامية وإدارةِ علاقات ديبلوماسية وسياسية، في الإطار الجيوسياسي للدولة أي علاقاتها الخارجية.أما سيادةُ الدولة داخل حدودها فهي سيادةٌ لدستورها وقوانينها، وهذا يعني:
أن يُسلِّمَ كل من فيها -مواطنين وأجانب- بشكل طوعي بالقوانين التي تٌصدِرُها، كما تُسَلِّمُ جماعاتُها واحزابُها وطوائفُها، بشكل طَوْعِيّ بالاحتكام للدستور روحاً ونصاً، وتكونُ سيادةُ القانون، هي سيادةٌ شاملةٌ لكل قانونٍ ولأي قانون..
والسيادةُ أيضاً تفترضُ حِفاظاً على المَصلحةِ العامةِ كقيمةٍ تَسْمُو وطنياً، وتُشكلُ سَقفاً لانتِظامِ الأفرادِ والجَماعَاتِ في سُلوكيَّاتِهم ومشاريعِهم وسِيَاساتِهم، ومراعاتِهم للمصلحة الوطنية العليا.
والسيادةُ أخيراً هي صيانةُ الأملاكِ العامةِ ومرافقِ الخدماتِ المختلفة، كما تحتوي إحترامَ المجالَ العام بكُلِّ أشكالِه، في البيئةِ والهواءِ والطرقاتِ والساحاتِ والشواطئ والأنهارِ وقِمَمِ الجِبالِ والغِطاء النباتي والأحراش والغابات والأثير والثروات الوطنية.ولا تُقامُ دولةٌ من دون معاييرَ آمرة ومفاهيمَ تأسيسية، تَتحدّدُ من خِلالِها مجموعةُ قِيَّمٍ، تُوَجِهُ الحياةَ السياسيةَ، وتُلزِمُ اللاعبينَ في ساحاتِها، بالانضواءِ الطَوْعّي، لحَيثيَّاتِ الممارسةِ السياسيةِ ومُسَلماتِها، ولذلك كانت دساتيرُ الدول، نصوصاً آمرةً ومستدامة، لتحديد ضوابطِ اللعبةِ السياسية والأصولِ الديموقراطيةِ لتداولِ السلطةِ وإعادةِ تكوينِها، كما تُحدِّدُ علاقاتِ السلطاتِ المختلفةِ من تشريعية، أو إجرائية تنفيذية، أو قضائية، وتُنظِّمُ تداخلَها واستقلالَ الواحدةِ عن الأخرى، وتَرسُمُ أصولَ الفَصْلِ بين صلاحياتِ كلٍ منها، ومناحي التعاونِ فيما بينَها.
وتَنْدرِجُ انطلاقاً من ذلك، سلسلةٌ من القوانين والتشريعاتِ، التي تَرعَى أصولَ عملِ كُلِّ سُلطَةٍ، وتُنظِّمُ علاقاتِها بالمواطنين والأفرادِ داخل المجتمع وفي مختلف أرجاء الوطن.
مع البناء القانوني وآلية الإمرة من الأعلى إلى الأدنى، تَرتَسِمُ تَدَرُجاً من "سُلَّمِ المَعايير" إلى "نُصوصِ الدستور" إلى موادِ القوانينَ وتطبيقاتِها، إلى المَراسيمِ الوزارية والتطبيقية، ومن بَعدِها تَأتي القراراتُ التنفيذيةُ، فيَتَشَكَّلُ من كُلِّ ما تَقَدَمَ، بُنيَةٌ فِكريةٌ قانونيةٌ متكاملة، تُمَّثِلُ البناءَ الفوقي للحكم الرشيد والحوكمة الفاعلة.ويَنْبَثِقُ عن هذا البناءُ الفوقي النظري، هيكلياتٌ وبنى وأنظمة، تُحَدِّدُ آلياتِ تسييرِ الحياة العامة، في كُلِّ مجالاتِ الإدارة، والنَقلِ والصِحَةِ والتَعليمِ والعُمْران والاتصالات وبُنَى الخَدَماتِ والمرافقِ العامةِ والرِعايةِ الاجتماعيةِ والصحيةِ، وحِفْظِ الأمنِ والسِلْمِ الأهلّي، والدفاع الوطني، وتُعْتَمَدُ في هذا المستوى من النشاط الدولتي: الكفاءةُ والعلمُ والامتحان، إضافةً للنزاهةِ والشفافيةِ والمهنيةِ والمناقبيةِ، وذلك من أجلِ تحقيقِ جَوْدَةِ الإداءِ وحُسْنِ التدبير والإختيار، وزيادةِ الفعاليةِ ورفعِ مستوى الإنتاجية. ويَتِمُ إخضاعُ مواقعِ المسؤولية كافة، لآليات رقابية إدارية وعمليات تقييم ومراجعة، يجري على أساسِ نتائجِها، تقويمُ التراتبيةِ الوظيفيةِ، واصطفاءُ العناصرِ المؤهَلَةِ للتَرقِيَة إلى مراتب قيادية أعلى، كما يترافقُ ذلك، مع أنظمةِ محاسبة مالية، وهيئاتٍ تتولى قمع المخالفات وإنزال العقوبات بمرتكبيها.
عبر المُمارسَةِ والوَقتِ يَتراكمُ بُنيانٌ سياسيٌّ إداري ومؤسساتي، له تقاليدُه والتزاماتُه وضوابطُ عمله، وخصائصُ وظيفتِه في الحياة العامة، فتتأسَّسُ ملامحُ "دولة عميقة" تترسخُ صورتَها وتظهرُ في انتظامِ عملِ الجيشِ والأجهزةِ الأمنيةِ والقضاءِ والإدارة العامةِ والإعلامِ، و مؤسسات التعليمِ و الجامعاتِ الرسميةِ وحتى الخاصةِ، وفي المالية العامةِ والجماركِ و النظام المصرفيّ والنقديّ، وأجهزة الرقابة المالية والإدارية، وكافة المؤسساتِ والمرافقِ التي تُقَدِّمُ خدماتٍ في مجالاتِ الكهرباءِ والإتصالاتِ وضبطِ حركةِ المعابرِ الحدوديةِ الوطنيةِ والجبايةِ الضريبيةِ والرسوم الجمركية.
إنَّ مجالاتِ عملِ هذه الشبكة من المؤسسات، لا علاقة لها بالصراع السياسي أو الانقسام الطائفي أو الانحيازات لمحاور إقليمية أو دولية.لذلك، فإن الدولةَ العميقةَ بكُلِّ تَجَليَاتِها ومَيَادينِها، هي شأنٌ مُواطنيٌّ يَضمَنُ حُقوقَ الأفرادِ الأساسية، وشأنٌ سياديٌّ يَحفَظُ المصلحةَ العُليا لشعبٍ بمُجمَلِهِ، وعليه لا يَصِّحُ السَطوُ عليها، أو إنتهاكُ أُصولِ عَمَلِ كُلٍّ منها، أو استتباعها لأهداف سياسية أو طائفية أو صراعات إقليمية.
وتشكل المحاصصة الطائفية والسياسية التي دَأبَتْ المنظومة السياسية الحاكمة على ممارستها، من ثمانينات القرن الماضي لتاريخه، نهجاً تَدميرياً مُتفاقِماً مُتصاعِداً، لتفكيك كُلِّ مَلامِحِ دولةٍ لبنانيةٍ عميقة، ولمنعِ قِيامِ أية مُحاولةِ ولو جنينية، لاستحداث بُنَى تتطورُ لتُصبِحَ جُزءاً من دولة عميقة مرتجاة.
فالإستتباعُ في الوظيفةِ العامة، على أساسِ الوَلاء، يَضرِبُ معيارَ الكفاءةِ ويتجاوزُ القانونَ ويُنتِجُ إدارةً مُختلةَ التراتبيةِ وقليلةَ الإنتاجية.وبناء على ذلك، فإن أية تعيينات جديدة، يجب أن تخضع للمعايير السالفة الذكر بداية، لكنها لكي تكون إصلاحية حقاً وفعلاً، يجب أن يضاف إلى مقاييس العلم والخبرة والكفاءة والنزاهة معياراً أساسياً وجديداً، هو معيار استقلالية المرشح وعدم انتمائه الحزبي لأي طرف سياسي. الاستقلالية هنا لا تعني أن لا يحمل المرشح لمنصب في قمة الهرم الأمني أو القضائي أو الإداري، أي رأي سياسي، أو وجهة نظر فكرية، لكن الاستقلالية المطلوبة هي أن لا يكون منتظماً حزبياً، أو خاضعاً لتعليمات مرجعيته الحزبية أو الطائفية، وأن إلتزامه بتعليمات رؤسائه في مؤسسات الدولة، هي التي تحكم سلوكه وممارسته.
وبالمناسبة، فإن صلاحيات رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لا تسمح له بمناقشة أية تعيينات مع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، وهو تغول اعتاد عليه رئيس السلطة التشريعية، وتجاوز لحد السلطة، يمارسه على السلطة الإجرائية في مجلس الوزراء.أما تَدخّلُ المنظومة السياسية في القضاء، فيؤدي إلى شلِّ فعاليتِهِ، والتَشكيكِ بمصداقِيَتِه، والإستهانة بأحكامِهِ. ولَعَلَّ ما حَدَثَ سابقاً، وما يَحدُثُ اليوم من حربٍ بين القُضاة، طِبقاً لأجنداتِ تبعياتِهم السِياسيةِ، يُبرِزُ حَجْمَ الجريمةِ التي ارتكبَتْها المنظومةُ الحاكمةُ في حَقِّ القضاءِ واستقلاليتِه ونزاهتِه.
وقد سبق لدولة فؤاد شهاب أن قامت بالتحقق من عدم الانتماء الحزبي، واستقلالية كل مرشح لتولي منصب قضائي أو عسكري أو إداري رفيع.إنَّ مُجمَلَ هذه الضوابط لا توجدُ في لبنان، فدولتنا ليست لديها معاييرَ آمرة، تَضبِطُ سُلوكَ اللاعبين السياسيين فيها. وعلى الرَغمِ من وجودِ نصٍّ دستوري، تُحدِّدُ أحكامُهُ حدودَ صلاحياتِ السلطاتِ العامة، وأصولَ فَصلِها وتعاونِها، فإنَّ السُلطَةَ الفعليةَ تُمارَسُ من خارجِ المؤسسات، خَرقاً لقوانين الدولةِ ومصالحِ لبنان الوطنية. فيما تَتَفشَى بشكلٍ دراماتيكي، "ثقافةٌ" شاملةٌ للخروجِ عن القانون، بحيثُ أصبحَ انتهاكُ القوانين كل القوانين، "نمطَ عَيْشٍ شامل" من قانون السير إلى قانون النقد والتسليف، وما بينهما من قوانين أخرى، من أبسطها كقانون منع التدخين في الأماكن العامة إلى سائر القوانين كافة، في التنظيم المديني، أو أنظمة التعليم والاستشفاء وسائر مناحي الحياة العامة.
لا يَقتصِرُ الخَلَلُ في استسهالِ أصحابِ السلطة، أمرَ الخروجِ عن القانونِ، بل يمتدُ الخللُ إلى عجزِ الإداراتِ المختلفةِ والمؤسساتِ العامةِ عن القيامِ بوظائفِها اليوميةِ وتسيير المرافق والخدمات التي تتولى إدارتَها والإشرافَ عليها، وقد أصبحَ معتاداً أن ينبري كلُّ صاحبِ مسؤوليةٍ أو مديرِ مرفقٍ، إلى إعفاءِ نفسِهِ من فشلِهِ، وإلى التَنَصُّلِ من أفعالِه، التي تسببت بتَوَقُفِ خدمات قِطاعِه، عبر إعلان صحافي يُعلِمُ به الجمهور بموعدِ انقطاعِ الخدمة. فمؤسسةُ الكهرباء ليست مسؤولةً عن إمدادِ الكهرباء، بل جُلُّ دورِها الاعلانُ المُسبقُ عن ساعاتِ العتمةِ المتوقعة. أمّا قِطاعُ الاتصالات والهاتف، فمسؤوليتُه تتحددُ بأنْ يُعْلِمَ الجمهورَ عن مناطق قطع الاتصال. وإذا ذهبنا إلى البريد، وهو مِرْفَقٌ جرى تخصيصَهُ لتحسينِ جَودَةِ خدماتِه، فستواجه إذا ما كنت منتظراً، رسالةً أو وثيقةً آتيةً من دولة أجنبية، أحجيةً تُشبِهُ "البحث عن كنز مفقود" بين مكتب البريد وعامل التوصيل. ولعل أفدحَ أشكالِ التَنَصُّلِ من المسؤولية والعجز عن الفعل والإنجاز، هو ما جرى في جريمة تفجير مرفأ بيروت. فقد اكتشفنا بعد الكارثة أنَّ عشرات اللا"مسؤولين" قد اكتفوا بمراسلاتٍ فيما بينهم، عن خطرِ أكبرِ قنبلةٍ تقليديةٍ في التاريخ، بأن اكتفى كُلُّ واحدٍ منهم، بإحالةِ قَصاصَةِ ورقٍ إلى رئيسِه، ليُصَوِّرَ نَفْسَهُ انَّهُ قامَ بما عَليهِ، فيما القرارُ التنفيذي لنزعِ القنبلةِ كان غائباً أو ممنوعاً.
قد يكونُ نادراً واستثنائياً أن تَجِدَ في هَرَمِ هذه السلطةِ ودولةِ محاسيبها، من يُجِيدُ عَمَلَه ويقومُ بتنفيذِه على وَجْه الإتقان.وإزاء سيادة ثقافة التنصل من المسؤولية بشكل يطال كل مسؤولي إدارات الدولة ومرافقها، لا بد للعهد والحكومة الجديدة، من إرسال رسالة إلى كل المواقع القيادية، مؤداها: أن الفشل وعدم الفعالية ممنوع، فأما أن تنجز أو ترحل…
الأمر الآخر المطلوب؛ هو وقف الجريمة المنظمة وملاحقة من ارتكبها.
لم يَسْلَمْ أي مجالٍ يُنتِجُ ربحاً أو يَدِرُّ مالاً من طَمَعِ المنظومة وشهواتِها؛ من سِرقَةِ رِمالِ الشواطئ إلى أملاكِ لبنانَ البحريةِ والنهريةِ، إلى قِمَمِ الجبال وصخورِها. ومن ودائعِ الناسِ وجَنى أعمارِهِم في بنوكِ المنظومةِ وحاشياتِها الاقتصاديةِ، إلى بيعِ المراكزِ الوظيفيةِ في أجهزة الدولةِ ومؤسساتِها، لم تخجلْ المنظومةُ ولم يَجرَحْ حياءَها أيُّ ارتكاب.
السلطة الفعلية تمارسُ من خارجِ المؤسساتِ الدستورية. والمراسيمُ والسياساتُ كانت تصدرُ من خارجِ الحكومة، حتى لو نالت تواقيعَ الوزراء وأختامَهُم. والتشريعاتُ الأساسيةُ، كان يُتَخّذُ أمرُ صياغتِها خارجَ مجلسِ النُواب، حتى لو شَهِدْنا نِقاشاً حامياً حولَها في الندوةِ البرلمانية.لم يعدْ مُمكناً متابعةُ حياتِنا، كشعبٍ وأجيالٍ جديدة، إذا تابَعَت السُلطةُ والمنظومةُ الحاكمةُ ممارساتِها وحماقاتِها وإرتكاباتِها. لذلك لا بد من جُرعَةِ إجراءاتٍ إصلاحيةٍ أوليةٍ وسريعةٍ، تُعيدُ وضعَ لبنانَ على مسارِ التغييرِ وإعادة تكوينِ السلطةِ واستعادةِ الدولةِ وهذه الإجراءاتُ هي :
1- فصلُ النيابة عن الوزارةِ، لتكريس مبدأ فصلِ السُلطاتِ ولتفعيلِ الرقابة التشريعية وتقليص دائرة الزبائنية السياسية. وهذا ما جرى فعلاً مع حكومة نواف سلام.
2- فصلُ القضاءِ عن السياسةِ، لتكريس استقلاليةِ القضاءِ وترسِيخِ مبدأ المساءَلة والمحاسبة. بحيثُ يُمنعُ رجالُ السياسةِ من التدخلِ بالقضاءِ ويُمنعُ القضاةُ من ممارسةِ السياسةِ أو تولي مناصبَ سياسيةٍ أو الانتماءِ لأحزابٍ سياسيةٍ او التبعيةِ لها.
3- فصلُ السياسةِ عن الأعمالِ الخاصةِ، بحيث يُجْبَرُ كُلُّ سياسيٍ على الامتناع عن ممارسةِ تجارتِه أو مشاريعِ صفقاتٍ وتلزيماتٍ وتعهداتٍ تعودُ له أو لعائلتِه وفروعِها، مع الدولةِ ومؤسساتِها العامةِ ومرافقِ الخدماتِ فيها والبلديات، وذلك درءاً لصرفِ النُفوذِ وتضاربِ المصالحِ ومنعاً للتَرَبُّحِ من السُلطَةِ. وهو ما تجسد بطلب رئيس الوزراء من أعضاء حكومته بالاستقالة من وظائفهم في القطاع الخاص.
3- فصلُ الجيشِ والأمنِ عن السياسةِ، لقيامِ جيشٍ مُحترفٍ وطنيٍ وأجهزةٍ أمنيةٍ لا تُستهدِفُ من قِبَلِ السياسيين ولا تُسْتَتْبَعُ لمصالحِهم. ويُمنعُ قادةَ الأجهزةَ الأمنية، من تولي أيّ منصبٍ سياسيٍ أو الانتماءِ لأيِّ فريقٍ سياسيّ. وهو ما بدأه الرئيس جوزاف عون في امتحانات دخول الكلية الحربية وفي تشكيلات قيادة المناطق في الجيش اللبناني.
4- فصلُ السياسةِ عن الدين، بحيث لا يستقيم أن يكون سياسياً أو في قيادة حزب سياسي، رجل من رجال الدين، ولا يصح أن يقومَ رجلُ دينٍ بممارسةِ دورٍ سياسيّ أو الدخولِ في صراعٍ انتخابيّ ديمقراطيّ.
5- فصلُ السياسةِ عن الإدارة، ومنعُ السياسيين من تقاسمِ تعييناتِها واعتمادِ آلياتٍ حديثةٍ لدخولِ ملاكاتِها. ولإصطفاءِ كادراتِها وترفيعِ أعضائِها، تعتمدُ الكفاءةَ والعلمَ والخبرةَ، ويَتَّصِفُ المتقدمون لها بالاستقلاليةِ عن أي تحزب سياسيّ أو تخندُقٍ طائفيّ.
لقد شكلت نتائجُ الانتخاباتِ الأخيرةُ خطوةُ أولى على طريقِ تغييرٍ منشودٍ ومنتظرٍ، وشكّل انتخاب الجنرال جوزاف عون وتشكيل حكومة القاضي نواف سلام، خطوة ثانية في هذا المسار الاصلاحي. فهل نَستجمعُ كل طاقاتنا للتقدم على هذا الطريق، أم نتلهى بما لا يُفيدُ أحداً، ونُضيِّعُ فرصةً على لبنان قد لا تُعَوَّضُ أبداً.