تستعد حكومة القاضي نواف سلام التي وجدت الوقت “ملائما جدا” لتطبيق أحد بنود إتفاق الطائف والقاضي بنقل إجتماعات مجلس الوزراء الى مقره الخاص في المتحف، لإجراء التعيينات الأمنية والادارية وسط تباينات واضحة بين الرئاسات الثلاث حول بعض الأسماء المطروحة لا سيما بما يتعلق بالضباط المرشحين لهذه المناصب، والتي من المتوقع أن تدخل البلاد في أزمة جديدة هي بغنى عنها في حال تمسكت كل جهة بموقفها أو في حال بدأت بطرح عدد من الأسماء بهدف الإحراج أو الحرق.
في غضون ذلك، ثمة غياب شبه كلي للحكومة حيال ما يشهده لبنان جنوبا من إعتداءات إسرائيلية بلغت مداها على أكثر من صعيد، أو ما يتعرض له شماله من توترات إثر عمليات النزوح الكثيفة من مناطق الساحل السوري بإتجاه البلدات العكارية ذات الغالبية العلوية.
على الحدود الجنوبية تقوم إسرائيل بما يشبه عملية ضم وفرز في النقاط التي تحتلها، وبغض النظر عن الإعتداءات المستمرة وأعمال التدمير والتفجير والتجريف وإطلاق الرصاص على المدنيين بما في ذلك أمس إطلاق النار على جندي في الجيش اللبناني وخطفه وقد أصبح كل ذلك خبزا يوميا، فإن العدو باشر ببناء تحصينات عسكرية وإنشاءات محاطة بأسلاك شائكة وبزرع عدد كبير من الألغام وحفر خنادق على تخوم الشريط الحدودي بطول يصل الى ما بين ستة أو سبعة كيلومترات، فضلا عن إقامته مناطق عازلة في الأراضي اللبنانية حيث تشير المعلومات الى أن العدو الاسرائيلي بات متواجدا في خمس نقاط تحولت الى مواقع عسكرية وضمن أربع مناطق عازلة، ويستعيد من وقت لآخر زمن الحرب بتنفيذ سلسلة غارات على مناطق جنوبية وبقاعية بحجج واهية من دون حسيب أو رقيب.
ولعل الأخطر من كل ذلك، هو رعاية العدو لدخول المئات من المستوطنين الاسرائيليين المتشددين (الحريديم) يوم الجمعة الفائت الى بلدة حولا الحدودية للقيام بزيارة دينية الى قبر العباد لممارسة شعائرهم التلمودية، ما يؤكد أن ما تقوم به إسرائيل هو ليس إحتلالا مؤقتا، بل هو طويل الأمد في إطار سياسة العدو التوسعية، وبالتالي فإن الحرب الاسرائلية على لبنان لم تكن ردة فعل على فتح جبهة الاسناد، بل كانت تمهيد لعملية إستيطانية واضحة، وما نجاح المقاومة في قتل العالم الجيولوجي الاسرائيلي الذي دخل خلال الحرب الى الجنوب للتفتيش عن آثار دينية يهودية سوى دليل أكدته زيارة “الحريديم” مؤخرا الى قبر العباد في حولا.
على الحدود الشمالية ثمة تخبط وفوضى وتوتر نتيجة النزوح السوري الكثيف الناتج عن المجازر التي تشهدها مناطق الساحل، وهو تجاوز خلال الساعات الـ72 الماضية السبعة آلاف شخص توزعوا بين قرى سهل عكار ذات الغالبية العلوية يعيشون في ظروف مأساوية نتيجة إنعدام القدرة على القيام بالخدمات التي يحتاجونها، إضافة الى نحو ثلاثة آلاف نازح توزعوا بين جبل محسن في طرابلس وبلدة ضهور الهوا في الكورة، ومناطق أخرى، فيما مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالتحريض والتهديد وبرفع السقوف الطائفية والمذهبية ما يجعل منطقة الشمال برمتها تعيش تحت وطأة مخاوف حقيقية تنعكس سلبا على يومياتها.
أمام هذا الواقع، تبدو الحكومة المنهكمة بكل شيء إلا بالأمن القومي اللبناني جنوبا وشمالا غائبة أو ربما عاجزة، فهي تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يشهده الجنوب من إعتداءات، حتى من أضعف الايمان المتمثل بإصدار بيان إستنكار أو إستدعاء لجنة المراقبة الدولية لوضعها أمام مسؤوليتها، أو تحريك وزير الخارجية يوسف رجي الغارق في مقاربات ومعادلات تدل على توجهه وإنتمائه السياسي لتقديم سلسلة من الشكاوى الى مجلس الأمن، ووضع الدول الراعية لإتفاق وقف إطلاق النار أمام مسؤوليتها تجاه محاولة إسرائيل تغيير قواعد وبنود هذا الاتفاق.
أما على الحدود الشمالية فثمة لامبالاة حكومية بما يجري، فلا مؤسسات رسمية ولا هيئة عليا للإغاثة ولا وزارة شؤون إجتماعية، فيما البلديات عاجزة نتيجة إنعدام الامكانات، في حين ترتفع مناشدات الأهالي مطالبة الدولة بتحمل مسؤولياتها، خصوصا أن لبنان وفي الوقت الذي يفترض بالحكومة ان تضع آلية لعودة النازحين السوريين الى بلادهم وجد نفسه أمام نزوح جديد لم تحرك الدولة ساكنا تجاهه حتى الآن.
كان يفترض بالثقة الوازنة التي حصلت عليها حكومة نواف سلام في مجلس النواب أن تشكل حافزا لها لإنطلاقة قوية جيدة لمواجهة كل التحديات لا سيما الأمنية والعدوانية منها، لكن يبدو أن التركيبة الحكومية رئيسا ووزراء من قماشة المثقفين المتحدرين من الجامعة الأميركية لا تتلاءم مع الضغوط والأزمات التي تتعلق بالامن القومي والوطني.
The post ضم وفرز إسرائيلي جنوبا ونزوح وتوتر شمالا.. وغياب حكومي!.. غسان ريفي appeared first on .