منذ أن تمّ تكليفه برئاسة الحكومة والرئيس نواف سلام يحرص على إعتماد الشعارات السياسية الرنانة وطرح عناوين: “الشفافية والكفاءة والجدارة ووحدة المعايير”، لكنه لم يطبق أي منها لا قبل التأليف ولا بعده ولا بعد نيل حكومته الثقة وصولا الى التعيينات الأمنية أمس والتي شكلت عنوانا للمحاصصة، فضلا عن غيابه شبه الكامل عن كثير من الشؤون الوطنية السيادية، ما يطرح تساؤلات عما إذا كان سلام يتهاون بصلاحياته كرئيس للحكومة، أم أنه غير قادر على المواجهة؟.


في تأليف الحكومة، ملّ اللبنانيون سماع عبارات “وحدة المعايير” و”إستقلالية الوزراء”، فكانت النتيجة “صيف وشتاء على سطح واحد” لجهة تمثيل تيارات سياسية وأحزاب وحرمان أخرى، ورضوخ لشروط كتل نيابية وتجاهل كتل مماثلة، ومنح مناطق محظية مقاعد وزارية على حساب مناطق محرومة، فضلا عن إساءة سلام المباشرة الى عكار عندما إعتبر أن من إختارهم أكثر كفاءة من أبنائها.


بعد نيل حكومته الثقة، كانت الدعسة الناقصة لسلام في زيارة الجنوب من دون أن يحمل لأهله المفجوعين بالخسائر البشرية والمادية أية آلية عملانية لتحقيق تطلعاتهم لا في الانسحاب الاسرائيلي ولا في التعويضات ولا في إعادة الإعمار، بل على العكس فقد شكلت الزيارة إستفزازا كبيرا عندما تجاهل سلام في تصريحاته المقاومة وشهداءها فلم يأت على ذكرهم في الوقت الذي كان أبناء الجنوب يشيّعون أكثر من مئة شهيد على مقربة منه، ما دفع الأهالي الى مواجهته ووضعه أمام مسؤولياته كرئيس لحكومة كل لبنان.


ضمن الحكومة، يبدو أن ثمة هوّة واسعة بين سلام وكثير من الوزراء على صعيد التعاون والتنسيق ما يؤدي الى تناقض واضح في بعض التصريحات، كما يسجل البعض زيارات متكررة للوزراء الى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للإستماع الى توجيهاته في كيفية إدارة وزاراتهم.


بدا الرئيس سلام غائبا أو مغيّبا عن عملية تفعيل الاتصالات والمفاوضات الدولية بشأن وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، فإكتفت لجنة المراقبة والاشراف الدولية بلقاء رئيس الجمهورية فيما إقتصرت حركة اللجنة الخماسية على الرئيس بري، وكان الرئيسان عون وبري على تماس مباشر مع إجتماع الناقورة، وعملية الافراج عن الأسرى اللبنانيين الأربعة، في ظل غياب رئيس الحكومة عن كل ما جرى، وقبل ذلك، تجاهله كل الخروقات الاسرائيلية والاعتداءات المستمرة والاغتيالات والغارات وأعمال التدمير والتجريف وبناء التحصينات وحفر الخنادق، وعدم إتخاذ أي موقف تجاه هذا العدوان، أو إستدعاء لجنة الاشراف لوضعها أمام مسؤوليتها أو الطلب من وزير الخارجية يوسف رجي تقديم شكوى الى مجلس الأمن.


ومما زاد الطين بلة، هو تأكيد سلام وبنبرة عالية وصارمة بأن “آلية التعيينات ستكون في يد الحكومة التي ستختار الأكفأ والأجدر بعيدا عن أي تدخلات سياسية ومن أي جهة أتت”، قبل أن تؤكد المعطيات غيابه شبه الكامل عن سلة التعيينات الأمنية التي تم التوافق عليها بين الرئيسين عون وبري سواء لجهة مدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير الذي إنتقل من أمن الدولة الى هذا المنصب، ومدير عام أمن الدولة اللواء إدغار لاواندس، ونائبه العميد مرشد سليمان الذي إنتقل من الأمن العام الى أمن الدولة، فضلا عن منصب مدير عام قوى الأمن الداخلي حيث جاء تعيين اللواء رائد عبدالله إرضاء لأطراف سياسية معينة، في حين أن الرئيس سلام كان يحمل الى رئيس الجمهورية إسميّ العميدين محمود قبرصلي وخالد السبسبي اللذين لم يحالف أحدهما الحظ السياسي في التعيين، وإذا كانت صحيحة المعلومات التي تم التداول بها عن تعيين العميد قبرصلي رئيسا لفرع المعلومات خلفا للعميد خالد حمود، فإن عكار التي حرمها سلام من التمثيل الوزاري، عاد ليحرمها اليوم من منصب أمني كانت أولى به، خصوصا أنها تشكل خزان المؤسسات الأمنية على إختلافها.


لم يكن نواف سلام بحاجة الى كل هذه “العنتريات” التي لم تترجم في أي مكان، وإذا كان “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، فيمكن القراءة بأن صلاحيات رئاسة الحكومة ليست بخير، وكذلك هيبة رئيس مجلس الوزراء، وهو أمر من شأنه أن يُخل بالتوازنات وأن يرفع من منسوب الحساسيات، خصوصا أن منصب رئاسة الحكومة كان الحاضر الأبرز والأول على مدار ثلاث سنوات ونيف، وقد نجح في قيادة البلاد في أحلك وأصعب الظروف وفي إيصال لبنان الى بر الأمان.




Related Posts

  1. الإنتخابات البلديّة: تحدّيات لن تُغيّر الواقع!.. عبدالكافي الصمد
  2. هل يكفي اعتماد لبنان الضغط "الدبلوماسي" الحقيقي على إسرائيل؟.. بقلم العميد منذر الايوبي




The post الصلاحيات ليست بخير.. نواف سلام بين “العنتريات” والأمر الواقع!.. غسان ريفي appeared first on .