عندما عاد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان العام الماضي للمشاركة في الذكرى السّنوية لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، نُقل عنه قوله في أحد الإجتماعات التي عقدها مع فاعليات بيروتية في بيت الوسط: “إذا كان التفاهم متعذّراً بين بلدية بيروت ومحافظ بيروت، بسبب تضارب الصلاحيات بينهما، فليتم إذاً إلغاء البلدية أو إلغاء منصب المحافظ”.


كان ما نُقل عن الحريري عامها تأكيداً على أنّه لن يُؤمّن الغطاء السّياسي لـ”عرف” المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بلدية العاصمة، المكوّن من 24 عضواً، وهو عرف رعاه الرئيس الراحل رفيق الحريري في دورتي 1998 و2004، ومن ثم نجله سعد في دورتي 2010 و2016، قبل أن يقرر العزوف عن العمل السّياسي في مطلع عام 2022، هو وعائلته وتيّار المستقبل الذي يتزعمه، مغادراً إلى الإمارات العربية المتحدة حيث ما يزال يمضي فيها حتى اليوم إعتكافه السّياسي.


ومع أنّ الحاجة إلى هذا الغطاء السّياسي لبلدية بيروت إنتفت منذ العام 2022 بسبب تمديد ولايات المجالس البلديّة 3 سنوات متتالية، فإنّ هذه الحاجة تبدو ملحّة وضرورية هذا العام، بعدما حدّد وزير الداخلية والبلديّات الجديد أحمد الحجار أنّ حكومة القاضي نوّاف سلام ستجري الإنتخابات المحليّة في أربعة أسابيع ـ مواعيد يبدأ أولاها في ٤ أيّار المقبل في محافظة الشّمال.


المناصفة في بلدية بيروت كانت أحد الأسباب غير المعلنة لاحتمال تأجيل الإنتخابات المحليّة هذه السنة، بانتظار إقرار قانون إنتخابي جديد يحافظ على عرف المناصفة أو تقسيم بلدية العاصمة إلى بلديتين، لكنّ ضيق الوقت أبقى القديم على حاله وبقي مجلس بلدية بيروت موحداً، لكن من غير الإجابة على تساؤلات حول كيفية المحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في ظلّ غياب الحريري، وسط أجواء رجّحت أن تنسف الإنتخابات المقبلة هذه المناصفة، وأن لا يحصل المسيحيون على أكثر من 4 أعضاء، بسبب الخلل الديموغرافي، وفق ما أشارت إليه إستطلاعات رأي عديدة.


غير أنّ عودة الحريري هذه السّنة للمشاركة في ذكرى اغتيال والده، وما رافقها من حشد شعبي واسع كان في استقباله، وما حُكي أنّه أوكل إلى عمّته النائب السّابق بهية الحريري “إعادة” تنشيط العمل السياسي لتيّار المستقبل، والمشاركة في أيّ استحقاق إنتخابي، وعلى رأسها الإنتخابات البلدية، أعطى إشارة إلى أنّ الغطاء السّياسي جرى تأمينه للحفاظ على مبدأ المناصفة في بلديّة بيروت.


لكنّ هذه المناصفة لن تكون كما كانت في السّابق، في ضوء ما تسرّب عن أنّ رئيس تيّار المستقبل وعمّته قد أقفلا باب التعاون مع حزبي القوات اللبنانية والكتائب، بسبب رفض الحريري مدّ اليد إلى من غدروا به، في إشارة إلى “وشاية” القوات اللبنانية به عند السعودية ما أدى إلى “اعتقاله” أسبوعين في المملكة عام 2017 وإعلانه إستقالة حكومته قسراً، ما أوجد شرخاً كبيراً بين التيّار والقوّات لم يلتئم بعد.


هذا التباعد بين المستقبل من جهة والقوّات والكتائب من جهة ثانية، دفع الحزبين المسيحيين إلى اللقاء مؤخّراً في معراب للبحث في كيفية الحفاظ على وجودهما السّياسي في انتخابات بلدية العاصمة، في حين بدأت ماكينة التيّار الأزرق ترتيب أوراق لائحة ائتلافية تحافظ على عرف المناصفة، إنّما من دون القوّات والكتائب، على أن تتضح ملامح المشهد الإنتخابي في العاصمة خلال الأيّام المقبلة، إذا لم يحصل أيّ طارىء من شأنه تعديل هذه الملامح أو تغييرها على نحو لم يتضح بعد.




Related Posts

  1. ارتفاع حصيلة ضحايا الهجمات الأمريكية على اليمن
  2. الجامع الكبير العالي في الميناء.. آية في الفن المعماري المملوكي ـ العثماني




The post بلدية بيروت.. تصفية حسابات بين المستقبل والقوّات!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .