في اليوم الثاني لاستئناف الحرب على غزة، جدد جيش الاحتلال قصفه المدفعي والجوي على مناطق متعددة بالقطاع بين الفينة والأخرى، ما أسفر عن مزيد من الشهداء والجرحى.
وكانت إسرائيل استأنفت الحرب بشكل مفاجئ فجر الثلاثاء، بدأتها بضربة جوية عنيفة، لدرجة أنه خلال 10 دقائق فقط نُفّذت نحو 80 غارة، ما أسفر عن استشهاد وجرح المئات في وقت قياسي.
نزوح من بيت حانون
وأكد المواطن الفلسطيني ماجد أبو ناصر من مشروع بيت لاهيا، لـ"المدن"، أن طائرات الاحتلال ألقت صباح الأربعاء، مناشير جديدة تطالب سكان بلدة بيت حانون الحدودية مع منطقة الغلاف، بإخلاء البلدة.
ووفق أبو ناصر، فإن عدداً كبيراً من سكان بيت حانون نزحوا على وقع القصف المدفعي باتجاه "مشروع بيت لاهيا"، وسط ظروف إنسانية في غاية الصعوبة.
ولا تُعرف غاية الاحتلال من إجبار سكان بيت حانون على النزوح، فهل هو مقدمة لتوغلات برية ستتركز في هذه المرحلة على البلدات القريبة من منطقة "الغلاف"؟ أم هو تمهيد لقصف جوي ومدفعي عنيف على المنطقة؟
مجاعة وشيكة
وفي ظل غموض المراحل التالية لخطة الحرب العائدة، أكد أبو ناصر أن الوضع في شمال القطاع "صعب جداً"، في ظل وجود عدد كبير من النازحين في الشوارع. وتابع: "لا نعلم ماذا يريد الاحتلال تحديدا؟ وما هو مصيرنا؟!".
وحذر أبو ناصر عبر "المدن"، من مواجهتهم مجاعة أكثر حدة من العام الماضي، إذ لا توجد مواد غذائية ولا سلع في الأسواق بشمال القطاع، مبيناً أنه خلال الأيام المقبلة "لن نجد شيئاً نأكله، وهناك نقص في المياه، ونعاني هناك في الشمال من جميع النواحي".
خطة الحرب.. مِن مراحل
وتشير المواقف الإسرائيلية الرسمية، وما يجري على الأرض، إلى أن الحرب على غزة متواصلة، لكنها ستكون محدودة ومركزة جواً في هذا الوقت، إلا أنها قابلة للتطور بناء على مستجدات الأمور. وهو موقف أكده أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الليلة الماضية، بقوله إن المفاوضات ستكون "تحت النار"، حتى تغير "حماس" موقفها التفاوضي، مضيفاً أن الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها الثلاثة، وهي استعادة جميع المحتجزين والقضاء على حماس وتحييد أي خطر مستقبلي للقطاع على إسرائيل.
وقالت إذاعة "مكان" العبرية، إن خطة رئيس أركان الجيش إيال زامير تشمل عدة مراحل، ومنها عودة "المناورة البرية" وإعادة احتلال القطاع، في محاولة لـ"حسم المعركة" وإجبار "حماس" على القبول بتفكيك جهازها العسكري وخروج قياداتها من غزة. لكن هيئة البث الإسرائيلية نوهت بأنه في هذه المرحلة، يركز الجيش الإسرائيلي على الضربات الجوية، ويبدو أنها تتخذ نهج التدحرج وتفاوت الحدة بين الحين والآخر.
استئناف الحرب لم يُتحذ بالكابينت!
وكشف محلل الشؤون السياسية للتلفزيون العبري الرسمي شمعون آران، أنه خلافاً للسابق، فإن قرار استئناف حرب غزة، لم يُتخذ من مجلس "الكابينت"، وإنما من خلال اجتماع وزاري أمني ضيق، حضره نتنياهو ووزير الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.
ووفق آران، فإن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر هو من أبلغ الولايات المتحدة مسبقاً باستئناف "القتال"، مبينا أن إدارة ترامب تدعم إسرائيل في توجهاتها، وأنه في حال لم تتراجع "حماس" عن موقفها بالمفاوضات، فإن الحرب ستتوسع أكثر.
لا جديد.. بمساعي التهدئة
ووفق المعطيات، فإن تل أبيب مصرة على مواصلة الحرب المُستأنَفة حتى تغير "حماس" شروطها ومواقفها بمفاوضات التبادل، وإن كانت وتيرة القصف تبدو بالساعات الأخيرة أخف من بدايات الضربة "المفاجِئة"، مع أن الاحتلال سيحاول اقتناص أي معلومة استخباراتية لشن هجوم عنيف على "هدف ثمين" في غزة بأي لحظة.
وبينما يبذل الوسطاء جهوداً لوقف الحرب والعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أكد مصدر من حركة "حماس" لـ"المدن"، أنه لم يحصل أي شيء جدي حتى اللحظة لاستعادة التهدئة، متوقعاً أن العرض المصري "العاجل" الذي قُدم بعد ظهر الثلاثاء لوقف الحرب، سيأخذ مداه ووقته حتى تنضج أي مواقف جدية. وأكد المصدر الحمساوي أن الجميع ما زالوا في حالة انتظار.
السيناريوهات المحتملة؟
بدوره، قال رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ"حماس" وسام عفيفة، إن الأيام المقبلة ستعطينا تصوراً عن مآلات المشهد ووجهته، وما إذا كانت الحرب ستبقى في إطار المناورة والعمليات المركزة بموازاة مسار تفاوضي وَفق مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وإما أن تكون الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود.
وقدّر عفيفي في حديثه لـ"المدن"، أن واشنطن ربما منحت نتنياهو ضوءاً أخضر لتنفيذ عملية في غزة، بسقف زمني وعملياتي محدد، أي دون انجرار الأمور لمواجهة واسعة ستنقل الوضع إلى مرحلة يصعب تفكيكها.
وبحسب المصدر، فإن الإشكالية التي حدثت في المفاوضات أخيراً، ليست في عدد الأسرى الإسرائيليين؛ لأن مقترح ويتكوف وصل بالنهاية إلى 5 محتجزين بعد أن كان طرحه الأول 10. لكن المشكلة حدثت بالتفاصيل، إذ أن إسرائيل وأميركا وضعا شروطاً أخرى على "حماس"، بينها أن تسلم المحتجزين الخمسة في اليوم الأول، ومن دون تقديم ضمانات للحركة بشأن التزام تل أبيب بما سيتلوا عملية التسليم، ودون التعهد ببدء مفاوضات المرحلة الثانية ووقف الحرب. وبهذا المعنى، بات مسار ويتكوف متوقفاً الآن من الناحية العملية.
ورغم أنّ نتنياهو يتذرع بالمحتجزين لاستئناف الحرب؛ إلا أن عمق الخلاف بالمفاوضات أبعد من المحتجزين وعددهم، حيث يرتبط باليوم التالي، بما يضمن اختفاء "حماس" عن المشهد وتفكيك "كتائب القسام". ولذلك، فإن الهدف الاستراتيجي الأول لنتنياهو هو حسم أمر غزة، ثم تبرز مسألة المحتجزين كهدف ثانٍ.
ولا يُمكن إهمال دافع آخر، وهو أن الجيش الإسرائيلي بلور استراتيجية أمنية جديدة بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، تقوم على توجيه ضربات كلما تحدّث "المخزون الاستخباراتي" و"بنك الأهداف" بخصوص أي نشاط عسكري تعده تل أبيب "خطرا عليها"، سواء في جبهة غزة أو غيرها.
وبالتالي، أرادت إسرائيل من استئناف حربها أن توجه رسالة ضمنية، مفادها أنها ستضرب أي هدف عسكري أو سلطوي لـ"حماس"، سواء تبقى محتجزون إسرائيليون أم لا، بموازاة التأكيد على أن أي اتفاق تهدئة لن يقيد نشاط إسرائيل العسكري.