جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة -

اهتماماتهم هي معرفة كيف سيتصرّف مجلس الوزراء العتيد مع ملف الودائع المصرفية العائدة لهم، وهي جنى أعمارهم. وهم ما زالوا في دوامة القلق الذي يأكل من صحنهم. والسؤال: هل نقول وداعاً للودائع ونهيل فوقها تراب النسيان، ونضع شاهداً فوق قبرها: هنا ترقد ضحية أكبر مجزرة مالية معاصرة في تاريخ لبنان؟ أو نترقّب بصيص نور من طاقات أمل بعد كل التطوّرات السياسية والعسكرية التي طاولت لبنان في الأشهر الأخيرة؟
يتطلّع اللبنانيّون إلى مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة وأولوياتها. ولعلّ البند الرئيس الذي يتصدّر اللائحة، ثمة أجوبة متناقضة: انسوا أمر الودائع إتكالاً على تقارير من البنك الدولي يُشكّك فيها خبراء ثقات، أو أنّ الودائع آتية لا رَيب فيها من دون تقديم أي دليل مُقنِع أو مستند إلى حقائق علمية أو نظرة موضوعية، ولسان مشيّعي هذا المنطق يُدَندِن مع نجاة الصغيرة كلمات نزار قباني: «اليوم عاد... عاد... كأنّ شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه».

مصرفي بارز يرى أن لا لزوم لشطب الودائع بنسبة 80% كما جرى التداول أخيراً، وأنّ هناك مقاربة جديدة يجب أن تقوم بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس الحكومة، وتأليف مجلس للوزراء، وعودة الاهتمام الدولي والعربي ولا سيما الخليجي بلبنان من الباب الأوسع.

ونوّه المصرفي عينه إلى أنّ جمعيات المودعين غيّرت أداءها وأسلوب تحرّكها، وفي الفترة الأخيرة تمكّنت من إيجاد بيئة أوسع حاضنة لمنطقها، ممّا أتاح لها إسقاط 4 محاولات لمعالجة الودائع بالشطب.

ويُضيف، بأنّ تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي من شأنه أن يجعل الصورة أكثر وضوحاً بالنسبة إلى الودائع ومصيرها، وكيفية إعادة الاعتبار إلى القطاع المصرفي الذي فَقَد الكثير من حيَويّته، وهو كان يضمّ 24 ألف موظف تناقص عددهم إلى 16 الفاً، وأنّ ثمة مخارج متداولة منها:

أ - إحياء الودائع وجدولة ردّها لأصحابها.

ب - حفظ الودائع وتحديد نسب السحوبات وسقوفها، ووجهة استعمالها على نحو مغاير ممّا هو عليه حالياً. أي الاستعمال الحُرّ في الداخل، والمقيّد في الخارج. لئلّا يتهافت المواطنون على سحب الودائع وتسفيرها، أو إيداعها في المنازل. فتبقى الأزمة تراوح مكانها.

ويستدرك المصرفي بأنّ الأمر لا يتمّ بين ليلة وضحاها، ولا بعصا سحرية، وأنّ التفاؤل الذي يَعمّ الأوساط المتابعة للملف المالي لا ينطلق من عدم، على رغم من المخاوف والأسئلة المشروعة، وسبب ذلك دخول المنطقة ومنها لبنان بالطبع في مدار الرعاية الأميركية - الأوروبية -الخليجية، وأنّ ما حصل أخيراً كان من خارج المتوقع. ولفت إلى أنّ لبنان سيكون الأسبق إلى الإفادة من الوضع الناشئ بعد توقف الحرب، وانتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، لأنّ الوضع في سوريا لا يزال ضبابياً ومفتوحاً على الكثير من التوقعات الغامضة.

وهذا ما يجعل من لبنان أيضاً منصة لرجال الأعمال، أو منطلقاً للعودة إلى الاستثمار في هذا البلد الجار عبر بيروت المستقرة سياسياً وأمنياً. وأنّ الرساميل الدولية والعربية الوافدة ما كانت لتسلك سبيلها لولا المتغيّرات في المنطقة والاهتمام بإعادة توزيع المصالح والنفوذ فيها. ولا يُقلّل المصرفي الكبير من أهمية توافد رجال الأعمال العرب، وخصوصاً السعوديّين والإماراتيّين والقطريّين والكويتيّين، إلى لبنان لاستكشاف فرص الاستثمار، والاطّلاع على مآلات الوضع في المصارف التي أودعوا فيها رساميل كثيرة.

لكنّ هذه الدينامية التي بدأت طلائعها تترقب وتراقب، وتحاذر وتتأنّى قبل إطلاق العنان لما تمتلك من زخم وإمكانات، تنتظر الاستقرار السياسي ومدى ما يختزن من مقوّمات الثبات، وجدّية الاستعدادات لتنفيذ الإصلاحات، وإرساء قواعد الشفافية على أسس واضحة. وإنّ الوفاق السياسي هو عامل رئيس في تشكيل قناعة المجتمع الدولي والعربي بأنّ الأمور في لبنان باتت على السكة الصحيحة.

ويرى المصرفي، أنّ على الحكومة أن تضمّ رجال أعمال من فئة الشباب، يجمعون إلى الرؤية والقدرة على المبادرة، لأنّهم أصحاب تجربة عملية ومعاصرة، وهذا أفضل من اقتصار الخيارات التكنوقراطية على أكاديميّين فحسب، غالباً ما يكونون بعيدين عن أرض الواقع وواقع الأرض.

ويعوّل مراقبون على مساعدات مباشرة من دول خليجية تتمثل بإيداع مبالغ عالية في مصرف لبنان على سبيل الوديعة القابلة للاسترداد في أي وقت، لأنّ لذلك نتائج إيجابية، أولها أنّها تشرع في تبديد الإحباط الذي يسود المواطنين، وتبعث الروح ولو بقدر محدود في الحركة المالية والإقتصادية للبلاد، وتُحيي الأمل بفسحة ضوء في عتمة التحدّيات والسلبيات.

إنّ وضع أزمة الودائع على سكة الحل، ولو وفق روزنامة زمنية تقصر أو تطول بحسب تطوّرات الأوضاع، تُشعر الناس أنّ حقوقهم لن تضيع، ولن تذهب سدى، وستكون رافعة للعهد وحكومته الأولى. وكانت لافتة إشارة الرئيس جوزاف عون إلى موضوع الودائع وضرورة استردادها في خطاب القَسَم.

الرئيس حدّد العنوان، ويبقى على رئيس الحكومة نواف سلام ومجلس الوزراء نقله من الحيّز النظري إلى الحيّز العملي، وهذه مهمّة الحكومة بالدرجة الأولى. فإذا نجحت في طمأنة المواطنين، وجعلهم يثقون بأنّ أموالهم ستعود إليهم، فإنّها تستحق الجدارة. ويكون العهد قد بلغ من «العلياء خير مكان»، وهو بعد في خطواته الأولى.