الأخبار: في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول الماضي، وصل إلى دمشق وفد روسي رفيع المستوى، يضم نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف. ويأتي ذلك بالتوازي مع تعزيز أوروبا ضغوطها على الإدارة السورية الجديدة لإخراج روسيا التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في البلاد (طرطوس البحرية وحميميم الجوية)، في محاولة لاستثمار التغيّرات الحاصلة في سوريا. كما تأتي زيارة الوفد الذي عقد اجتماعاً موسّعاً مع قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، ووزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، بحسب بوغدانوف، في سياق تعزيز العلاقات التاريخية بين روسيا الاتحادية وسوريا وفق قاعدة المصالح المشتركة، وهي توضح «حرص روسيا الشديد على وحدة واستقلال وسلامة الأراضي السورية وتحقيق الوفاق والسلم الاجتماعي في البلاد»، على حدّ قوله. وفي وقت لم تتسرب فيه، حتى لحظة كتابة الخبر، أي معلومات دقيقة حول ما تمّت مناقشته خلال الاجتماع، يحمل وفد روسيا، أحد أبرز حلفاء النظام السابق، مجموعة كبيرة من الملفات العالقة بين البلدين، بعضها يرتبط بالاستثمارات التي منحها الأسد لشركات روسية خلال السنوات الماضية، وبعضها يتعلق بـ«هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل متشددة، ينتمي عدد منها إلى دول محيطة بروسيا، الأمر الذي يمثّل «تهديداً أمنياً» لموسكو، خصوصاً أن قسماً من المقاتلين انتقلوا فعلاً إلى ساحة الحرب في أوكرانيا لمواجهة الجيش الروسي.

 

ومنذ تسلّمها الحكم في البلاد، وجّهت الإدارة الجديدة رسائل إيجابية عديدة إلى موسكو، الأمر الذي دفع مسؤولين روساً إلى اعتبار تلك الرسائل مؤشراً جيداً إلى بناء علاقة متينة بين البلدين. كذلك، لم تقترب فصائل «الهيئة» من القواعد الروسية، ولم تقُم بإلغاء أي استثمار روسي، باستثناء عقد استثمار مرفأ طرطوس المثير للجدل، والذي لقي إلغاؤه - برغم عدم وجود مرجعية دستورية أو قانونية تتيح للحكومة المؤقتة اتخاذ هكذا خطوة -، أصداء إيجابية، نظراً إلى إجحافه بحق الحكومة السورية.

 

وتتزامن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، مع زيارة يجريها وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إلى الرياض، حيث التقى نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، وناقش معه جملة من القضايا، على رأسها الملف السوري، الذي تلعب فيه تركيا دوراً حاسماً في ظل صعود «هيئة تحرير الشام»، المقرّبة جداً منها، إلى سدة الحكم. وخلال الشهرين الماضيين، رفعت موسكو والرياض مستوى التنسيق السياسي بينهما في ما يتعلق بالملف السوري، في محاولة لخلق توازن يمنع أنقرة من التحكم المطلق به.

 

حاولت الإدارة الجديدة تخفيف الاحتقان الشعبي في قرى ريف حمص الغربي، من خلال الإفراج عن دفعة جديدة من عناصر الجيش المعتقلين

في غضون ذلك، عقدت رئاسة «المجلس الوطني الكردي» (مجموعة أحزاب كردية مقرّبة من كردستان العراق وتركيا) اجتماعاً مع قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، المقرّبة من الولايات المتحدة، في إطار مبادرة أطلقتها فرنسا، ويلعب فيها إقليم كردستان العراق دوراً بارزاً، لتوحيد الصف الكردي، بالتوازي مع المفاوضات الجارية بين «قسد» والإدارة السورية الجديدة. وخلافاً للمحاولات العديدة الماضية لتوحيد الصف الكردي، والتي منيت بالفشل، تشير مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار»، إلى أن ثمة تقدماً واضحاً في المفاوضات الحالية، جراء التغيّرات التي شهدها الملف السوري، والمخاوف المتزايدة من انقلاب الموقف الأميركي حول سوريا، بعد عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.

 

وفي مسار مواز للمفاوضات الكردية الداخلية، بدأ «مجلس سوريا الديمقراطي» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، مباحثات موسّعة مع القوى الموجودة في السويداء، جنوبي البلاد. وناقشت المباحثات التي أجراها وفد من «مسد»، برئاسة ليلى قره مان، الرئيسة المشتركة للمجلس، مع الرئيس الروحي لطائفة «الموحدين الدروز»، الشيخ حكمت الهجري في السويداء، بشكل أساسي، القضايا السياسية والاجتماعية المستقبلية في سوريا، وبناء دولة مدنية وديمقراطية تُعزز السلم الأهلي وتضمن حقوق جميع المواطنين، وفق بيان تم توزيعه عقب اللقاء.

 

وبحسب البيان، فقد توافق الحاضرون على أهمية الحفاظ على السلم الأهلي ووحدة الأراضي السورية، وفصل الدين عن الدولة لضمان حيادية المؤسسات الحكومية وعدالتها تجاه جميع المواطنين، وإعادة بناء الدولة السورية على أسس مدنية وديمقراطية قائمة على المواطنة المتساوية وفصل السلطات.

 

كذلك، تمّ التوافق على العمل على عقد مؤتمر وطني شامل يضمن تمثيل الجميع من دون إقصاء لأي مكوّن أو تيار سوري، وعلى تسليم السلاح للدولة السورية بعد تشكيل حكومة انتقالية شاملة وتوقّف القتال على كامل الجغرافية السورية، وهي نقطة جدلية تتعارض مع محاولات الإدارة السورية الجديدة سحب السلاح ودمج الفصائل في وزارة الدفاع الناشئة، قبل التوصل إلى حل سياسي، الأمر الذي تتوافق فصائل الجنوب (السويداء ودرعا) و«قسد» على رفضه.

 

أما على الصعيد الداخلي، وفي محاولة لتخفيف الاحتقان الشعبي الذي تسببت به المجازر التي ارتكبتها فصائل مسلحة بحق أهالي قرى في ريف حمص الغربي، أفرجت قوى الأمن في الإدارة الجديدة عن دفعة جديدة من عناصر الجيش السوري الذين كانوا معتقلين في سجني حمص وحماة، بالتوازي مع الإعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق في هذه المجازر، وسط وعود بمعاقبة مرتكبيها. وفي تحدٍّ أمني جديد للإدارة، يُعتبر الثاني من نوعه بعد محاولة تفجير سيارة مفخخة في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، انفجرت سيارتان مفخختان قرب حاجز أمني في قرية المخرم الفوقاني في ريف حمص الشرقي، من دون ورود أنباء عن ضحايا أو إصابات.

 

وتأتي هذه التفجيرات بعد تهديدات وجّهها تنظيم «داعش» الذي يتخذ من البادية السورية منطلقاً لعملياته، للإدارة الجديدة، التي اتهمها بأنها «عميلة لليهود الصليبيين»، على خلفية دعوات لدولة مدنية، متسائلاً عن «سبب الخروج على بشار الأسد إن كانت الثورة ستفضي إلى نظام حكم دستوري»، وفقاً لبيانه.