الديار: ميشال نصر-

مر اليوم الكبير على خير، رغم التوترات المتنقلة في أكثر من منطقة، والتي عملت وسائل التواصل الاجتماعي على النفخ في بوقها، ليسجل حزب الله نصره "الشعبي المدني"، وينجح في امتحان شعبيته التي حجزت له موقعا متقدما واساسيا على المسرح السياسي اللبناني، والذي ستكون له تداعياته، لجهة اعادة الكثيرين لحساباتهم، تجاه مكون اعاد التأكيد على وحدة صفه.

 

واضح ان حزب الله تمكن من تحويل تشييع امينيه العامين الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، الى مناسبة لاثبات حضوره ووجوده، من جهة، مطلقا الرسائل السياسية الحامية، التي لم تخفف من سخونتها برودة "آدم"، من مباشرة وغير مباشرة، في اكثر من اتجاه داخلي وخارجي، أبرزها:


- إظهاره لبيئة الحزب الحاضنة، التي تضررت بشكل كبير من الحرب، وتكبدت خسائر فادحة في الارواح والممتلكات، أن الضربات التي تعرض لها الحزب وما مني به من نكسات، على صعيد اغتيال قادته، وتضرر جسمه العسكري، مرورا بما حصل في سوريا من انقلاب، وصولا الى المحاولات "الاسرائيلية" - الاميركية، لرسم شرق أوسط جديد، لم تضعف قوته السياسية وان انهكته عسكريا، مؤكدا ثباته على خيار المقاومة في هذا الوقت الشديد الحساسية، حيث اعتبر المراقبون ما حصل، بمثابة استفتاء وتجديد للبيعة، أسقط كل الرهانات على ان "المقاومة" انتهت، وان شعب المقاومة بات في مكان آخر، ليأتي الامس ويؤكد على ان اصرار "أشرف الناس" على المشاركة، رغم المخاطر الامنية، والظروف المناخية الصعبة، اتى لتوجيه رسالة ذات ابعاد سياسية وشعبية لمن يعنيهم الامر.

 

- إحتفاظ الحزب، رغم الخسائر التي مني بها، بقدراته على كل المستويات اللوجستية والإعلامية والأمنية والسياسية والشعبية والصحية، التي سمحت له بتنظيم فعاليات التشييع على ضخامتها وتشعب محطاتها.


- نجاحه في فرض أجندته على المستوى الرسمي لجهة "الزامه" الرئاسات والحكومة اللبنانية على ان تكون "شريكة" في التشييع، رغم تهديدات واشنطن ووعيدها، التي لا تخفي الوقائع استسلام الكثيرين من "جماعة المحور سابقا" والمستفدين منه، لخوفهم على مصالحهم وطموحاتهم المستقبلية.

 

- تأكيده للقوى السياسيّةِ والمكوّناتِ اللبنانيّة المختلفة، من خصوم وحلفاء، أنّه سيواجه كل محاولات تحجيم حضوره السياسي، بعدما ظن البعض بعد انتهاء الحرب، أن البلاد دخلت مرحلة جديدة لا مكان للحزب فيها، رغم انه كان شريكا أساسيا في اختيار رئيس الجمهورية، الذي لم يكن بعيدا عنه، كما في تشكيل الحكومة التي حصل فيها على ما اراد و"حبة مسك"، وصولا الى البيان الوزاري الذي اعطاه ايضا ما اراد وان "مواربة"، وعليه فهو جاهز لخوض الاستحقاقات على اختلافها.

 

- إرساله إشارات واضحة إلى المجتمعَين العربيِّ والدوليّ، مفادها إنَّ الحزب لا يزال القوّةَ الشعبيّةَ الأولى في لبنان، وبالتالي لن يكون بامكان اي كان تجاوزه، وعليه فان التعامل معه يفرضه الامر الواقع القائم ان لم يكن اليوم فغدا، كما ان اي تركيب لاي سلطة جديدة لا يمكن ان يحصل من خلال عزله، كما ان اي مشاريع للسلام او التطبيع لن تجد لها ممرا او مقرا في لبنان.


وبمعزل عن رمزية الحشدِ الشعبي وأبعادِه، عبرت كلمة الامين العام الشيخ نعيم قاسم في الاتجاهات عينها، حيث اعاد التأكيد على نقاطه الاربع التي سبق وحددها، كاطار للحزب في المرحلة المقبلة، لجهة كيفية التعامل مع الدولة والمشاركة في الحياة السياسية الداخلية، تحت سقف اتفاق الطائف، مع التأكيد ان ما لم يأخذ بالقوة خلال الحرب لن يؤخذ بالسياسة اليوم.

 

ويبقى السؤال الأساسي: ماذا بعد التشييع؟ كيف سيستثمر انتصار الامس الشعبي، كما وحضورا؟ كيف سيتم التعاطي مع اشارات الامين العام؟ والاهم ماذا عن التطبيق الملزِم لاتفاق وقف إطلاق النار، بنسخته وبقراءته الأممية، لا وفقا للقراءة اللبنانية واجتهاداتها؟ واخيرا وليس آخرا كيف ستقرأ اميركا و"اسرائيل" ومعهما العالم تفاصيل ما حدث؟

 

بالامس طويت صفحة أمين عام، بعدما قاد على مدى اكثر من ثلاثة عقود مقاومة أدت الى انسحاب "إسرائيل" قبل ربع قرن، كما تصدى للاعتداءات المتتالية، وصولا الى حرب تموز 2006 وعدوان ايلول 2024، ليشكل تشييعه انعطافة اساسية، بلا ادنى شك بين مرحلة ومرحلة، من عمر حزب سبق وخسر امينه العام عباس الموسوي قبل أكثر من ثلاثة عقود.