الأخبار: المشرق العربي-

أثارت تسريبات قناة «الجزيرة» القطرية لعدد من بنود الإعلان الدستوري المقرّرة صياغته لوضع أساس قانوني لإدارة المرحلة الانتقالية، بعد أقل من ساعة على إصدار الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قراراً بتشكيل لجنة سباعية لكتابته، تساؤلات عديدة حول دور هذه اللجنة الفعلي، في ظل وجود بنود جاهزة من المنتظر إقرارها، تضع السلطة كاملةً بيد الشرع. وأثار ذلك موجة استهجان وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، شبّهت الشرع بالرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد.

 

وبالفعل، أكّد عضو اللجنة، إسماعيل الخلفان، خلال تصريحات صحافية، صحّة بعض تلك التسريبات، والتي تضمّنت تسليم مهمة تشكيل «مجلس الشعب» للشرع، الذي يقوم بتكليف 100 شخص، لمدة عامين، كما سمّت الأخير قائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة.

 

وبحسب التسريبات، فإن المسوّدة التي ستقدّمها اللجنة ستكون مؤلّفة من 48 مادة، من بينها اشتراط أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً، إلى جانب إمكانية تأسيس أحزاب بموجب قانون سيصدر لاحقاً، علماً أن هذه الأنباء جاءت قبل عقد اللجنة اجتماعها الأول حتى.


وكان أثار تشكيل اللجنة بناءً على توصيات لجنة الحوار الوطني، جدلاً واسعاً في الشارع السوري، يمكن اعتباره استمراراً للجدل الذي أثاره مؤتمر الحوار بحدّ ذاته، والذي تمّ عقده على عجالة غير مسبوقة، بناءً على دعوات شخصية، وخلص إلى توصيات غير ملزمة، معدّة مسبقاً للشرع.

 

ويأتي هذا علماً أن الأخير تمكّن فعلاً بعد تسلّمه السلطة، إثر سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، من القبض على جميع مفاصل الحكم في سوريا، باستثناء مناطق «الإدارة الذاتية» التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، إلى جانب بعض المناطق الأخرى ذات الخصوصية، مثل السويداء التي تسيطر عليها الفصائل المحلية (الدرزية)، ومناطق في الجنوب السوري تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومنطقة التنف في البادية السورية، عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة، والذي تنتشر فيه فصائل «جيش سوريا الحرة».

 

وعلى الرغم من أن مخرجات مؤتمر الحوار كانت فضفاضة ولا تحمل أي خطة عمل تفصيلية يمكن الاعتماد عليها في بناء سوريا الجديدة، فقد لاقت تلك المخرجات ترحيباً عربياً ودولياً سمح للإدارة السورية الجديدة بمدّ نفوذها وتمتينه على جميع المستويات، الأمنية والعسكرية وحتى الاقتصادية والمعيشية.

 

ويأتي هذا في ظل قرار الشرع التحول إلى سياسة الاقتصاد الحر، وما يرافقه من عمليات هيكلة مستمرة لمؤسسات الدولة، التي تشهد منذ سقوط نظام الأسد حالة من الفوضى بالتزامن مع عمليات فصل تعسفية طاولت آلاف الموظفين الذين وجدوا أنفسهم من دون مصدر للرزق، في وقت يقف فيه القطاع الخاص عاجزاً عن خلق أي فرص عمل حقيقية جراء ما تعرّض له خلال السنوات الـ15 الماضية.


وإلى جانب الأزمات المعيشية والاقتصادية، تعيش سوريا حالة أمنية متردّية، في ظل عدم قدرة الإدارة الجديدة على فرض الأمن، حتى الآن، بعد أن قامت بحل وزارة الداخلية، في وقت تستمر فيه الفصائل المتشددة، والتي من المفترض أنها قامت بحلّ نفسها، بارتكاب الانتهاكات، تحت مسمى «مطاردة فلول النظام»، خصوصاً في محافظات حمص وحماة واللاذقية.

 

وفي هذا السياق، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أنه قام بتوثيق 156 عملية انتقامية راح ضحيتها 291 شخصاً منذ بداية عام 2025، موضحاً أن حمص كانت في مقدّمة المحافظات التي شهدت هذه الأعمال، تليها حماة ثم ريف دمشق واللاذقية وطرطوس وحلب.

 

وبينما تحاول الإدارة الجديدة طيّ صفحة المقاتلين الأجانب، والذين ذكر الشرع، في تصريحات سابقة، أنه سيقوم بمنحهم الجنسية السورية، كما قام بتسليم بعضهم مناصب قيادية في الجهازين الأمني والعسكري، كشف رئيس مجلس الأمن القومي في قرغيزستان، مارات أيمنكولوف، أخيراً، أن أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي شُحنوا أخيراً مع عائلاتهم عبر تركيا وأصبحوا مقاتلين في قوات الأمن السورية الجديدة (الأمن العام)، بحسب «وكالة أنباء كازاخستان الدولية».

 

وأوضح أيمنكولوف، أمام «مؤتمر الأمن الجماعي» و«منظمة شنغهاي للتعاون الأمني في آسيا الوسطى» في بيشكيك، أن ذلك يشمل «حركة تركستان الشرقية الإسلامية»، وتابع أن «حوالي 5 آلاف مقاتل دون احتساب أفراد عائلاتهم» ممّن قدموا إلى سوريا، هم من آسيا الوسطى وشمال القوقاز و«يشكلون تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي». وأضاف أن «بلدان منطقة آسيا الوسطى تشكّل نقطة الانطلاق لتدفق المجنّدين إلى المنظمات الإرهابية والمتطرفة الدولية»، مشيراً إلى أن بلدان المنطقة «تشعر بالقلق حيال احتمالية امتداد القدرات الإرهابية التي وصلت إلى السلطة في سوريا، إلى خارج الحدود السورية».

 

وعلى خط مواز، تشهد سوريا، منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، صعوداً غير مسبوق للنشاطات الدعوية، بشتى الطرق، برغم محاولة الإدارة الجديدة منع مثل هذه المظاهر، بعد الجدل الواسع الذي أثارته في المجتمع، والانتقادات الدولية العديدة التي طاولت الإدارة.

 

وإلى جانب تلك النشاطات، تنظم فصائل غير سورية، بين وقت وآخر، فعاليات احتفالية بالانتصار على النظام، علماً أن تنظيم هكذا فعاليات يتطلب موافقة «أمنية» من الإدارة. وتمثّل آخر الاحتفالات المذكورة بنشاط لتكريم أبناء المقاتلين الوافدين من شبه الجزيرة العربية، والذين قُتلوا في سوريا خلال السنوات الماضية. وحضر الاحتفال وفق الصور المتداولة «الجهادي» السعودي عبدالله المحيسني، أحد عرّابي الانتحاريين والسيارات المفخّخة، والذي ظهر أكثر من مرة في دمشق بشكل علني.