كريستينا غولدباوم وريهام مرشد-

وصف السكان إطلاق النار خارج منازلهم والجثث في الشوارع في أسوأ اضطرابات تشهدها سوريا منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. قُتل أكثر من 1000 شخص منذ يوم الخميس، وفقاً لما ذكره مرصد حقوقي.

 

بدأ إطلاق النار عند الفجر يوم الجمعة في بلدة الحفة على الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط.

 

في البداية، قفزت ولا (29 عاماً)، الشابة الساكنة في البلدة، من سريرها إلى زاوية الغرفة في شقتها الواقعة بالطابق الأول، مستلقيةً على الأرض بينما كان صوت طلقات الرصاص يتردّد خارج نافذة غرفة نومها.

 

عندما ازدادت الضوضاء، أقرّت أنّها زحفت نحو النافذة وسحبت الستارة. في الخارج، كان العشرات من الأشخاص يفرّون على طول الطريق، وكثير منهم بملابس النوم، بينما كان 4 رجال يرتدون زياً أخضر غامقاً يطاردونهم. ثم فتح الرجال بالزي الرسمي النار. وفي غضون ثوانٍ، سقط 4 من الفارّين على الأرض.

 

وأكّدت ولا، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل خوفاً من الانتقام: «لم أستطع تصديق ما كنتُ أراه. كنتُ مذعورة، مذعورة».

 

كان الهجوم في بلدتها جزءاً من الاضطرابات التي هزّت الساحل السوري خلال الأيام الـ4 الماضية وأودت بحياة أكثر من 1000 شخص، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت مبكر أمس.

 

وكان هذا أسوأ تفجّر للعنف منذ أن أطاح المتمرّدون بالديكتاتور الذي حكم لفترة طويلة، بشار الأسد، في أوائل كانون الأول، ثم سعوا إلى فرض سيطرتهم على بلد مزّقته حرب أهلية دامت قرابة 14 عاماً.

 

اندلعت أعمال العنف يوم الخميس عندما نصب مسلّحون موالون للأسد كميناً لقوات الأمن الحكومية في محافظة اللاذقية، حيث تقع بلدة الحفة. وأدّى الكمين إلى اندلاع اشتباكات استمرّت أياماً بين الموالين للأسد والقوات الحكومية.

 

ذكر المرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له ويُراقب الصراع السوري منذ عام 2011، أمس أنّ حوالى 700 مدني كانوا من بين أكثر من 1000 قتيل، ومعظمهم قُتلوا على يَد القوات الحكومية. وقُتل ما لا يقل عن 65 مدنياً في الحفة، وفقاً للمرصد.

 

كما ذكرت شبكة حقوق الإنسان السورية، وهي مجموعة أخرى لمراقبة الحرب، يوم السبت أنّ قوات الأمن الحكومية قتلت ما يُقدَّر بنحو 125 مدنياً. ولم يكن من الممكن التحقق من هذه الادعاءات بشكل مستقل.

 

رفض مسؤولون في الحكومة الجديدة الاتهامات بأنّ قوات الأمن التابعة لهم ارتكبت فظائع. لكنّهم زعموا أنّهم ملتزمون بالتحقيق في الاتهامات ومحاسبة أي شخص أساء إلى المدنيِّين.

 

أمس في مسجد بدمشق، عبر مقطع فيديو نُشِر عبر الإنترنت، دعا الرئيس السوري الموقت، أحمد الشرع، إلى الوحدة بينما سعى إلى طمأنة الأمة بعد الاشتباكات الدامية: «يجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. نحن ندعو السوريِّين إلى الاطمئنان، لأنّ البلاد تمتلك مقوّمات البقاء».

 

أثارت أعمال العنف شبح صراع طائفي أكبر في سوريا، وأثارت الذعر في محافظتَي اللاذقية وطرطوس الساحليّتَين. فالمنطقة هي معقل الأقلية العلوية في سوريا، التي هيمنت على الطبقة الحاكمة والرتب العليا في الجيش في ظل حُكم الأسد، وكانت تضمّ عائلة الأسد نفسها. وقد تشكّلت الحكومة الجديدة من تحالف من المتمرّدين بقيادة جماعة إسلامية سنّية.

 

وذكر المرصد أنّ معظم المدنيِّين الذين قُتلوا في الأيام الأخيرة كانوا من العلويِّين.

 

يوم السبت، كان الطريق السريع الممتد من العاصمة دمشق إلى طرطوس شبه فارغ، إذ حاولت السلطات إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة الساحلية. وأقامت نقاط تفتيش على الطرق الرئيسة داخل مدينة طرطوس، عاصمة المحافظة، حيث كانت معظم المتاجر مغلقة وكان العديد من السكان يختبئون في منازلهم.

 

جلس شادي أحمد خضر (47 عاماً) بجانب الطريق السريع الممتد من طرطوس شمالاً إلى اللاذقية، يشاهد سيارات الإسعاف أو المركبات الحكومية التي تمرّ بين الحين والآخر. كانت شوارع حيِّه قد فرغت مع تصاعد العنف في الأيام الأخيرة، ممّا حوّل طرطوس إلى مدينة أشباح، على حَدّ قوله. هو علوي لكنّه، مثل كثيرين في المدينة، يؤكّد أنّه لا يدعم الموالين للأسد الذين حملوا السلاح ضدّ السلطات الجديدة في سوريا.

 

لكنّه كان أيضاً مذعوراً من أنّ قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة قد لا تُميِّز بين الموالين المسلحين للأسد وبين أمثاله.

 

عامل رافعة، كان يعمل في حكومة الأسد، يُقرّ: «ربما سيأتون إلى هنا ويقولون إنّنا ضدّهم ويقتلوننا. نحن فقط في المياه الضحلة. لم نصل إلى الأعماق بعد». كان يخشى أنّ البلاد تتّجه نحو مزيد من الصراع. لم يهدأ العنف حتى وقت متأخّر من بعد ظهر السبت، وعلى الطريق حيث كان يَقف، كانت القوات الحكومية عند نقطة تفتيش تُحذِّر السائقين من أنّ مسلحين كانوا ينصبون كمائن للسيارات المتجهة شمالاً نحو اللاذقية.

 

في الريف القريب من محافظة اللاذقية، كان مسلحون موالون للأسد يحتجزون العشرات من أفراد الأمن الحكومي كرهائن بعد السيطرة على المنطقة في اليوم السابق، بحسب السكان. في مناطق أخرى، كان السكان المحليّون قد تسلّحوا واتخذوا مواقع خارج منازلهم لحماية عائلاتهم بعد سماع تقارير عن قيام القوات الحكومية بقتل المدنيِّين.

 

في بانياس، في الطرف الشمالي لمحافظة طرطوس، اقتحم رجال مسلحون يُعتقد أنّهم تابعون للحكومة الأحياء العلوية في وقت متأخّر من ليلة الخميس، وفقاً لـ4 من السكان.

 

وأكّد غيث مصطفى، أحد سكان بانياس، أنّه قضى معظم يومَي الجمعة والسبت مختبئاً مع زوجته، هالة حامد، وطفلهما البالغ من العمر شهرَين خلف باب منزلهما الأمامي - وهو المكان الوحيد في شقتهما الصغيرة الذي لم يكن بالقرب من أي نوافذ. وأضاف أنّه سمع في وقت مبكر من صباح الجمعة دوي إطلاق النار يقترب مع وصول المسلحين إلى مبناه. ثم سمع أصوات رجال يصرخون، وإطلاق نار، وصرخات قادمة من الشقة أسفل شقته. علم لاحقاً أنّ جيرانه في الطابق السفلي قد قُتلوا.

 

وكشف مصطفى (30 عاماً)، وهو صيدلي، في مقابلة هاتفية: «كنتُ خائفاً جداً على طفلي، على زوجتي. كانت خائفة جداً. لم أكن أعرف كيف أخفي عنها خوفي علينا أيضاً».

 

عندما هدأ إطلاق النار حوالى الساعة الثانية ظهراً يوم السبت، أكّد أنّه وعائلته فرّوا إلى منزل صديق في حَيّ مجاور لم يتأثر كثيراً بالعنف. أثناء مغادرته المنزل، شعر بالرعب، إذ رأى جثثاً ملقاة على الأرض كل مترَين أو 3 أمتار، وكانت بُقَع الدم منتشرة على الأرصفة، بينما تحطّمت نوافذ المتاجر وبدا أنّ العديد منها قد نُهِب. بحلول مساء السبت، كان كل ما يفكر فيه مصطفى هو المغادرة، مضيفاً: «أنا مصدوم، أنا فقط مصدوم. علينا أن نغادر من هنا في أسرع وقت ممكن. هذا المكان غير آمن، غير آمن على الإطلاق».