
لا شك أن إيلون ماسك ليس مجرد رجل أعمال، بل شخصية تمتد تأثيراتها إلى مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا. وبينما كان يُنظر إليه كرمز للابتكار والنجاح في شركة تسلا، فإن تحركاته الأخيرة على الساحة السياسية بدأت تُثير مخاوف المستثمرين، خاصة مع الانخفاض الحاد في أسهم الشركة وتزايد الانتقادات الموجهة إليه.
وأظهر استطلاع أجرته "مورغان ستانلي" أن 85 بالمئة من المستثمرين يعتقدون أن أنشطة ماسك السياسية تؤثر سلباً على أساسيات أعمال تسلا، في حين أن غالبية المشاركين يتوقعون انخفاض تسليمات السيارات هذا العام. ومع ذلك، لا تزال الآراء متباينة بشأن مستقبل الشركة، حيث يرى البعض أن تأثير ماسك السياسي قد يُكسب تسلا نفوذاً جديداً، بينما يخشى آخرون أن يكون هذا الانخراط مقدمة لتراجع طويل الأمد في أداء الشركة وسعر سهمها.
وفي ظل هذه التحديات، زاد قلق المستثمرين بعد التقارير التي كشفت عن انتقادات لفريق ماسك من داخل إدارة ترامب، مما دفع الرئيس الأميركي إلى تقديم دعم علني له. ورغم محاولات ترامب طمأنة الأسواق، لا يزال الغموض يحيط بمصير تسلا، مع تساؤلات تُطرح بقوة: هل بات انخراط ماسك في السياسة عبئاً على مستقبل تسلا؟ وهل يستطيع الفصل بين دوره السياسي وإدارة أعماله؟ أم أن نفوذه المتزايد في المشهد السياسي قد يُعرّض عرش تسلا للخطر؟
وأظهر استطلاع شركة مورغان ستانلي الذي شمل 245 مشاركاً، أن أكثر من ثمانية من كل عشرة مستثمرين يعتقدون أن الأنشطة السياسية المثيرة للجدل للرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، تؤثر سلباً على أداء الشركة.
ورغم أن العينة صغيرة، فإن النتائج تعكس تزايد الإحباط تجاه الملياردير الأميركي، خاصة مع تصاعد دوره في السياسة الأميركية والدولية. ويأتي ذلك في وقت حرج لأسهم تسلا، حيث تراجعت بنسبة تقارب 40 بالمئة منذ بداية العام الجاري، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وعند سؤال المشاركين عن تأثير جهود ماسك في تحسين كفاءة الحكومة الأميركية ونشاطه السياسي بشكل عام، أجاب 45 بالمئة بأن هذه التحركات كان لها تأثير "سلبي"، بينما قال 40 بالمئة إن تأثيرها "سلبي للغاية". في المقابل، اعتبر 3 بالمئة فقط أن هذه الأنشطة لها تأثير "إيجابي" على الشركة، بينما رأى 12 بالمئة بالمئة أنها "غير مؤثرة".
ومع ذلك، أشار المحلل في مورغان ستانلي آدم جوناس إلى أن المشاركين في الاستطلاع تم اختيارهم من قائمة بريده الإلكتروني، وبالتالي لا يمثلون عينة عشوائية، كما أنهم ليسوا جميعاً من مالكي أسهم تسلا.
وفي سؤال آخر حول توقعات أداء الشركة، قال 59 بالمئة من المشاركين إنهم يتوقعون انخفاض تسليمات السيارات في عام 2025 مقارنة بالعام السابق، بينما توقع 21 بالمئة أن ينخفض العدد بأكثر من 10 بالمئة بالمئة. يأتي ذلك وسط مخاوف بعض المحللين من أن حوادث التخريب الأخيرة قد تؤثر سلباً على مبيعات الشركة.
وفي المقابل، توقع 19 بالمئة فقط من المشاركين أن ترتفع تسليمات السيارات في عام 2025، بينما قال 23 بالمئة إنها ستظل مستقرة دون تغيير يُذكر.
ماسك ودوره السياسي
ونوه تقرير الشبكة الأميركية بأن مكانة ماسك السياسية ازدادت بعد إعلانه عن دعمه العلني لترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ثم توليه قيادة وزارة كفاءة الحكومة، كما أثارت جهوده في خفض الإنفاق الفيدرالي وتقليص القوى العاملة الحكومية انتقادات واسعة، حيث يرى البعض أن هذه الإصلاحات تتم بشكل سريع وعشوائي.
وكان ماسك قد أقر في مقابلة مع قناة " Fox Business" الإثنين الماضي بأن دوره في إدارة ترامب يؤثر سلباً على قدرته على إدارة أعماله، والتي تشمل تسلا وX (تويتر سابقاً) وسبيس إكس، مشيراً إلى أنه يدير هذه الشركات "بصعوبة كبيرة". وفي نفس اليوم، تراجعت أسهم تسلا بأكثر من 15بالمئة، مسجلة أسوأ جلسة لها منذ عام 2020.
وعلى الرغم من التراجع الحاد الأخير، قال 45 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم يتوقعون أن ترتفع أسهم تسلا بنسبة 11 بالمئة على الأقل بحلول نهاية العام. في المقابل، بينما توقع 36 بالمئة أن تنخفض الأسهم بنسبة 11بالمئة أو أكثر بحلول نهاية السنة، في حين يرى 19 بالمئة أن السعر سيظل ضمن نطاق 10بالمئة من مستواه الحالي، الذي يبلغ حوالي 220 دولاراً.
وأشار التقرير إلى أنه بعد نشر نيويورك تايمز الأسبوع الماضي تقريراً كشف عن انتقادات لفريق ماسك من بعض أعضاء إدارة ترامب، سارع الرئيس الأميركي إلى إبداء دعمه، حيث قام بتفقد خمس سيارات تسلا كانت متوقفة أمام البيت الأبيض، وذلك بعدما أعلن عبر منصات التواصل الاجتماعي أنه سيشتري سيارة تسلا كرمز لدعمه للشركة، كما صرّح بأنه سيعتبر أعمال العنف التي تستهدف معارض تسلا بمثابة إرهاب داخلي.
الأرقام تتحدث
وبالأرقام، فإن خسائر القيمة السوقية لشركة تسلا هذا العام بلغت 640 مليار دولار، وانخفضت ثروة إيلون ماسك بنحو 170 مليار دولار منذ بداية 2025 بحسب بيانات السوق ومؤشر بلومبرغ للأثرياء، أما مبيعات تسلا في أوروبا وأستراليا والصين فانخفضت بأكثر من 50 بالمئة وتراجعت في ألمانيا بنسبة تجاوزت الـ 70 بالمئة في أول شهرين من العام الجاري، بحسب ما كشفت بيانات الشركة.
وخلال 50 يوماً طرد ماسك عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين من وظائفهم وهاجم مسؤولين وسياسيين في أميركا وأوروبا، وخرجت احتجاجات ضده في أكثر من مدينة أميركية وتعرض لانتقادات من سياسيين في أوروبا وأميركا، ومع تزايد الاحتجاجات اضطر العديد من ملاك سيارات تسلا إلى إخفاء شعارات السيارات بشعارات لسيارات ألمانية ويابانية خوفاً من الاعتداء عليها.
ماسك لا يكترث بتراجع قيمة تسلا
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية": "لا شك أن انخراط إيلون ماسك في السياسة يؤثر بشكل مباشر على شركة تسلا وقيمة أسهمها في السوق، هذا الأمر ينطبق على أي شركة عندما يقرر مؤسسها الانحياز علناً إلى طرف سياسي معين، مما قد يثير مخاوف المستثمرين بشأن مستقبلها".
ومع ذلك، فإن ما يميز ماسك هو أنه لا يُخفي موقفه تجاه هذه المسألة، بل صرح علناً في مقابلة مع "CNBC" قبل فترة بأنه لا يكترث إذا تراجعت قيمة تسلا بسبب مواقفه، مؤكداً أنه لن يتراجع أو يسكت تحت أي ضغوط مالية، وأنه سيفعل دائماً ما يراه صائباً، بغض النظر عن التأثيرات المالية المترتبة على ذلك، طبقاً لما قاله الرفاعي.
وأشار الرفاعي إلى أن ماسك، من خلال عمله مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقتنع تماماً بأنه يخدم مصلحة الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يعتبره أولوية تتجاوز قيمة تسلا السوقية. كما لفت إلى أن ماسك لطالما دعا إلى تعزيز المنافسة في قطاع السيارات الكهربائية، وهو ما دفعه إلى جعل براءات اختراع تسلا مفتوحة المصدر (مجانية)، في خطوة تهدف إلى تشجيع الابتكار وإفساح المجال أمام المزيد من اللاعبين في السوق، بما يصب في الصالح العام للمجتمع.
ورداً على سؤال حول الحلول الممكنة مع تصاعد قلق المستثمرين، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" الرفاعي: "إذا كان إيلون ماسك نفسه لا يهتم، فلا يوجد حل".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يعد إيلون ماسك من أبرز رواد الأعمال في العصر الحديث، حيث أسس وأدار شركات كبرى مثل تسلا، التي أحدثت ثورة في صناعة السيارات الكهربائية، وسبيس إكس، التي غيرت معادلة استكشاف الفضاء من خلال تطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام. كما استحوذ على منصة X (تويتر سابقاً)، ولعب دوراً محورياً في مشاريع أخرى مثل نيورالينك وذا بورينغ كومباني. غير أن دخوله عالم السياسة أثار قلقاً واسعاً، خاصة في أوساط المستثمرين والمستهلكين، مما يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على مستقبل شركاته، وعلى رأسها تسلا".
وغالباً ما يمنح الانخراط السياسي رجال الأعمال نفوذاً أكبر في توجيه السياسات الاقتصادية والتجارية لصالح شركاتهم، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى إثارة الجدل والتأثير سلباً على سمعتهم وأعمالهم، وذكر الدكتور الشبشيري أمثلة على ذلك كما يلي:
دونالد ترامب، عندما تولى الرئاسة الأميركية، تعرضت علاماته التجارية للمقاطعة، مما أثر على بعض أعماله العقارية والفندقية.
هوارد شولتز، الرئيس التنفيذي السابق لستاربكس، عندما أبدى اهتمامه بالترشح للرئاسة، واجه انتقادات دفعت بعض المستهلكين لمقاطعة شركته.
مايكل بلومبرغ، رغم أنه استطاع التوازن بين العمل السياسي والتجاري خلال فترة توليه منصب عمدة نيويورك، إلا أن حملته الرئاسية أثارت جدلًا واسعاً أثر على سمعته التجارية.
أما إيلون ماسك، فإن دخوله في السياسة، خاصة مع دوره في إدارة وزارة كفاءة الحكومة الأميركية (DOGE)، ودعمه العلني للرئيس دونالد ترامب، جعله هدفاً للانتقادات، مما انعكس بشكل مباشر على أداء تسلا في الأسواق المالية.
ماسك بين التحديات والفرص
وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور الشبشيري إلى ثلاثة تحديات تواجه إيلون ماسك هي:
تراجع ثقة المستثمرين: القلق المتزايد من تسييس ماسك لأعماله يهدد مستقبل تسلا.
تأثير السمعة: مواقفه السياسية قد تؤدي إلى فقدان شريحة من عملائه، خاصة الليبراليين المهتمين بالطاقة النظيفة.
المنافسة الشرسة: شركات مثل BYD الصينية تزداد قوة، مما يضع مزيداً من الضغوط على تسلا.
أما بالنسبة للفرص التي أمامه فهي:
النفوذ السياسي: يمكن أن يستخدم ماسك موقعه السياسي للتأثير على السياسات التنظيمية لصالح شركاته.
الابتكار المستمر: إذا استطاع ماسك التركيز على تطوير تقنيات جديدة، فقد يعوض بعض الخسائر الناتجة عن انخراطه السياسي.
ولكن كيف يمكن لماسك تحقيق التوازن بين شركاته وانخراطه في السياسة؟، الدكتور الشبشيري يطرح السؤال ويجيب عليه بنفسه قائلاً: "يمكن لماسك تحقيق التوازن من خلال تعيين قيادات قوية وتفويض مهام الإدارة اليومية إلى مديرين تنفيذيين أقوياء لضمان استقرار الأعمال ومنح استقلالية تشغيلية للقيادات في تسلا وسبيس إكس لإبعاد الشركات عن الجدل السياسي، وتحسين التواصل مع المستثمرين وطمأنتهم عبر تقارير شفافة عن أداء الشركات والتركيز على إظهار النتائج الإيجابية لتعزيز ثقة الأسواق".
"كما يمكن تحقيق التوازن من خلا ل إدارة السمعة عن طريق تجنب المواقف السياسية المثيرة للجدل التي قد تؤثر على ولاء العملاء، وتطوير استراتيجية فعالة للتواصل مع الجمهور لتعزيز صورة الشركات، وكذلك من خلال التركيز على الابتكار، والاستثمار في البحث والتطوير لضمان ريادة تسلا في سوق السيارات الكهربائية، وتنويع استثماراته لتقليل المخاطر المرتبطة بأي قطاع معين، وفقاً للخبير الاقتصادي الشبشيري.