منذ انتهاء خطاب أمين عام "حزب الله"، مساء الخميس، والذي أتى في سياق تفجيرات "البايجر"، تركزت المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي على عبارة "الخبر هو ما سترون وليس ما تسمعون"، في محاولة لمعرفة ما قصده السيد نصرالله من تلك العبارة التي انتشرت مثل النار في الهشيم في المنصات الاجتماعية، وفتحت الباب لتأويلات عديدة.أراد الجمهور أن يعيد احياء نشوة ضرب "الحزب" للبارجة الاسرائيليّة العام 2006، وحينها قال نصرالله "انظروا اليها تحترق" بالتزامن مع خطابه، فالبعض اعتبر أن هذه العبارة تشي بأنّ الضربة ستكون في قلب تل أبيب وسيشاهدها نتنياهو بعينه، لكن المعنى اختلف هذه المرة نسبةً لتغير قواعد الحرب، فالسيد نصرالله أطلق العنان لعوامل "الوقت، والشكل، والمكان والزمن" بحسب خطابه. وفي هذا الصدد، يعني التحرر من الوقت أنّ حجم الرد مرتبط بالسياق الديبلوماسي والمفاوضات في غزة من جهة، أمّا المكان والشكل فمرتبطان بالمستجدات في الميدان، وعليه فإنّ الرد أيضاً خاضع للتقييم بما يتناسب مع التطورات، أو بعبارة أخرى حدة التطورات الميدانية.خطابات استدلال
وتحولت الخطابات السياسية في هذه الحرب تحديداً، إلى موضع استدلال، لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور من الطرفين، فهي بمثابة الخشبة العائمة التي يتكئ عليها الجمهور. والواقع اليوم يقوم على حرب تسجيل نقاط بهدف الخروج بحل دبلوماسي يناسب الطرف الذي يحقق ربحاً أكبر. أمّا بالنسبة إلى "حزب الله"، فإنّ الخطاب الأخير، ورغم اعترافه بحجم الضربة، لم يرفع السقف عالياً كما في المرات السابقة، لكنه جعل الأمور مفتوحة، مؤكداً الجهوزية التامة من دون الإشارة الى المبادرة بالحرب الشاملة. وكان نصرالله قد أنهى خطابه الخميس بأنّ الضربة التي يعدّها "حزب الله" ستكون تفاصيله محصورة في الكادر الضيق في الحزب، في محاولة للقول للإسرائيلي بأنّه يعلم أنّ استخباراته تحاول أن تخرق الشبكة الأمنية الخاصة به، أو أنّها حاولت ذلك والحزب على دراية بالأمر، وتأتي هذه اللفتة للتأكيد على أن الجهاز الأمني في الحزب متيقظ للخروق الاسرائيلية التي قد تحصل، وأن الحزب سيمنع ذلك.استهداف الضاحية
الواقع، أن ضرب الضاحية الجنوبية بعد أقل من 24 ساعة على الخطاب، واغتيال القيادي ابراهيم عقيل، حسبما أعلن الجيش الاسرائيلي، هو بمثابة رسالة من اسرائيل على أنّها قادرة على اختراق هذه الدائرة، وترجمة لمسعى اسرائيلي بالتحرر من قواعد الوقت والشكل. وقد أعلن الناطق باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري في كلمته، مباشرة بعد الضربة الثالثة للضاحية الجنوبية منذ الثامن من أكتوبر، بأن اسرائيل قبلت التحدي بالشروط نفسها، أسوة بكلمة نصرالله الذي اعتبر أن الحزب دخل في تحدٍ مع اسرائيل التي لن تستطيع إعادة مواطنيها إلى الشمال ما دامت الحرب في غزة قائمة. لكن عبارة "لا تغيير في قواعد الجبهة الداخلية" التي أتت على لسان هاغاري، هي رسالة ضمنية الى الحزب مفادها أن هذا الاعتداء ليس مقدمة لحرب شاملة، وأنّ اسرائيل مستعدة للدخول في جولة جديدة من التصعيد، وتقوم هذه الجولة على التصفيات الدقيقة بلا رادع.