تتخطى العملية الأمنية والعسكرية التي بدأتها إسرائيل ضد "حزب الله" اللبناني، مسألة وقف عملية إسناد الحزب لغزة، المستمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كما تتخطى العملية الإسرائيلية مجرد التهيئة لوضع جديد في الجبهة الشمالية لإعادة "السكان الإسرائيليين إلى البلدات المحاذية للحدود".
ظهر ذلك الاستنتاج في المواد التي نشرتها الصحف والتلفزيونات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، وقدمت فيها قراءات عسكرية حملت استنتاجاً لافتا لفهم المرحلة الحالية التي بدأتها إسرائيل ضد "حزب الله"، والتي تمزج بين سلسلة عمليات أمنية وعسكرية ضده كل مكان من لبنان إلى سوريا، بهدف إضعاف الحزب، وتحييد خطره، بوصفه هدفاً رئيسياً.وبهذا المعنى، تركز إسرائيل على توجيه ضربات أمنية وعسكرية، ضد الحزب وقادته النوعيين، في محاولة لإضعافه بنيوياً واستراتيجياً، وتغيير توجهاته العملياتية في سياق "الضرورة". وتحدث مراسلون عسكريون إسرائيليون عن أن ما يجري ضد "حزب الله"، عبارة عن سلسلة هجمات ستتوالى ضده، وصولاً إلى تحقيق الغاية الإسرائيلية. وانطلقت الهجمات الإسرائيلية الجديدة بعد أيام قليلة من حديث الإعلام العبري عن اكتمال عملية التموضع الأميركي في المنطقة لمواجهة سيناريو الحرب الشاملة، وأن قائد المنطقة الوسطى بالجيش الأميركي الجنرال مايكل كوريلا، ناقش خلال زيارته إلى إسرائيل مؤخراً، تحديثات خطط عملياتية للجيش الإسرائيلي ضد "حزب الله" وإيران، في اجتماع عقد تحت الأرض قرب الحدود اللبنانية.وقال مراسل التلفزيون العبري على الحدود الشمالية، أن تفجيرات أجهزة اتصال "حزب الله" اللاسلكية، كشفت هوية شخصيات لبنانية كانت تعمل لسنوات لصالح "حزب الله"، بشكل خفي وسري، في سياق الفخر الإسرائيلي بـ"الإنجازات الأمنية والاستخباراتية جراء الهجوم الغامض".قراءة في عقل نصرالله
إلى ذلك، أدت وسائل إعلام عبرية دور المساند لأجهزة الأمن الإسرائيلية، عبر دخولها على خط تحليل واستقراء ما يدور في عقل أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، باستضافتها لبنانيين فارين إليها، أو شخصيات عربية مطبّعة، علهم يسعفونها في عملية التنبؤ بشأن خطوة الحزب التالية، في أعقاب تلقيه ضربات أمنية وعسكرية إسرائيلية غير مسبوقة في الأيام الأخيرة، ضمن ما عرّفته أوساط رسمية في تل أبيب بأنه "مرحلة جديدة من المواجهة مع حزب الله".واستضاف التلفزيون العبري الرسمي "مكان"، مريم يونس، وهي شابة من عائلات "لحد" اللبنانية التي هربت إلى إسرائيل بعد تحرير جنوب لبنان العام 2000، وعرّفها عنها كـ"ناشطة اجتماعية من أجل السلام مع لبنان".وتحت عنوان "مواجهة من نوع جديد"، حاول مذيع قناة "مكان" الإسرائيلية الناطقة بالعربية، أن يفهم الخطوة التالية لـ"حزب الله" بعد تفجير أجهزته اللاسلكية الخاصة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وما تلاه من هجمات إسرائيلية متلاحقة ضد الحزب في قلب لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت، على نحو بدا وكأنه إيذان بالخروج عن قواعد الاشتباك المألوفة بين الطرفين منذ سنوات طويلة.ووجد المذيع الإسرائيلي ضالته في حواره مع يونس التي تتقن اللهجة اللبنانية، كما لو أنها عاشت كل عمرها في بلد الأرز، فطلب منها أن تدخل إلى عقل نصرالله، كي تتخيل خطوته التالية؟ وهل سيفتح حرباً أوسع على إسرائيل على ضوء ضرباتها الأخيرة؟وقالت يونس: "ليتنا جميعاً ندخل إلى عقل نصرالله، حتى نعرف بما يفكر"، وافترضت أن أهم خطوة بالنسبة لنصرالله في هذه الأثناء، هي ترميم معنويات مقاتليه، وبيئته وحاضنته الشعبية، معتبرة أن ما حدث بمثابة "كارثة معنوية"، وأن "الخوف في قلب أعضاء وقيادات الحزب، لأنه لا أحد آمناً، وهناك خيانات داخلية يحاول الحزب وإيران كشفها".وزعمت يونس أن "حزب الله" ينتظر الخطوة التالية من إيران، لتحديد أولوياته، لأن ما يتعرض له الحزب عبارة عن "حرب سيكولوجية وتكنولوجية وفي قلب بيته".في السياق، تحدث مذيع "مكان" العبرية، مع يونس، باعتبارها "تتنفس باستمرار ما يحدث في الشارع اللبناني"، ساعياً إلى تضخيم "حالة الذعر" في الشارع اللبناني على ضوء تفجيرات أجهزة اتصال عناصر "حزب الله"، وما تلاها من اغتيالات في بيروت. وطلب المذيع أن تضعه يونس في صورة "الصدمة في أوساط اللبنانيين جراء الأحداث الأخيرة".لبنانيون في الشاشات الإسرائيلية
وهذه ليست المرة الأولى التي يستضيف فيها الإعلام العبري لبنانيين فارين إلى إسرائيل، خلال القتال الجاري بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي منذ 8 تشرين أول/أكتوبر 2023. فحاور أيضاً جنرالات سابقين في "جيش لحد"، وكان سؤاله المركزي دائماً مرتبطاً بمحاولة فهم ما يخفيه عقل نصرالله تحديداً، مروراً بالتنبؤ بسلوكه العسكري والأمني والسياسي.ولا شك أن استضافة الإعلام العبري لهؤلاء اللبنانيين، إضافة إلى شخصيات سورية ويمنية، يندرج في سياق تقسيم اللبنانيين والعرب، للإيحاء بأن المعركة وكأنها ليست بين إسرائيل والمقاومة، وإنما بين "لبنانيين وعرب يريدون الاستقرار والسلام مع إسرائيل، وبين آخرين يرغبون في الحرب والمواجهة".وهنا، تتناسى الدعاية الإسرائيلية، حقيقة أن اللبنانيين، حالهم كبقية الشعوب العربية، قد يعارضون "حزب الله" في السياسية والنهج، لكنهم يجمعون على أن إسرائيل "عدوانية واستعمارية وتشكل خطراً وجودياً على دولهم"، فليس كل معارض للحزب هو عميل للاحتلال بالضرورة، وهو أمر يدحض الدعاية العبرية بشأن انقسام اللبنانيين حيال "شرعية إسرائيل"، مهما استعانت بعملاء لبنانيين لخلط الأوراق، بموازاة مساعٍ لدقّ إسفين طائفي وسياسي ومناطقي في لبنان، بغية تقسيمه عمودياً وأفقياً.