نعت حركة حماس رسمياً، في بيان تلاه القيادي خليل الحية اليوم الجمعة، رئيسَ المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار، شهيداً، وذلك بعد يوم على إعلان الاحتلال الإسرائيلي قتله خلال اشتباكات في حي تل السلطان، برفح، جنوب قطاع غزة.
واستذكر البيان، مسيرة السنوار النضالية، معتبرا أن "استشهاده لن يزيد الحركة إلا صلابة وقوة". وجدد موقف الحركة بأن الأسرى الإسرائيليين لن يعودوا من غزة، إلا بـ"الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، ووقف العدوان، وتحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال".
مشاورات سبقت البيان
وأكد مصدر من حماس لـ"المدن"، أن تلاوة بيان النعي الرسمي للسنوار، جاء بعد مشاورات داخلية أفضت إلى تحديد توقيت إصدار البيان الرسمي، تعليقاً على إعلان الاحتلال قتله في رفح.
وأشار المصدر إلى أن بيان حماس كان من المفترض أن يخرج الليلة الماضية، لكنه تأجل إلى اليوم، بعد أن استُكملت المشاورات والاتصالات حول "التوقيت الأنسب"، ومضمون البيان، خاصة أن حيثيات الاستشهاد المعلنة صدرت من رواية الاحتلال وحده.
ووفق المصدر، فإن الأروقة الداخلية للحركة تعاملت منذ اللحظة الأولى مع خبر استشهاده كـ"حقيقة"، وأن مباحثات داخلية قد بدأت حول ترتيبات تنظيمية وهيكلية لما بعد غياب السنوار.
وقال المصدر إن البيان لم يقدم رواية حماس حول ظروف استشهاد السنوار؛ نظراً لصعوبة معرفة تفاصيل ما جرى، لأنه لم يتم الوصول إلى شهود حتى الآن، عدا عن أن المكان مُحاصر، ويقع ضمن منطقة اشتباكات.
أسئلة "كبيرة" بلا إجابة
واعتبر مصدر من "حماس" مقيم في غزة، أن قتل الاحتلال يحيى السنوار، يشكل "نقطة تحول كبيرة في مسار المواجهة"، وإن كان هذا السيناريو مُتوقع في الحرب، مبيناً أن غيابه في هذا التوقيت تحديداً، سيترك فراغاً وأسئلة كبيرة، حتى من حماس نفسها، وأبرزها: مَن سيكمل مفاوضات وقف إطلاق النار؟ ومَن يمتلك الأسرى في غزة؟".
وأقر المصدر الحمساوي أن غياب السنوار سيترك انعكاسات تنظيمية على الحركة، مشيرا إلى أن هناك فراغاً تعايشه الحركة في القطاع، نتيجة غياب قيادات حمساوية بارزة وفاعلة في القطاع، جراء الحرب الإسرائيلية، وما واجهته الحركة من خسائر واستنزاف على مدار أكثر من عام.
لكن المصدر استدرك قائلاً إنه رغم هذه التحديات والخسائر والتداعيات، فإن مسار المجابهة في قطاع غزة، "سيستمر، وربما لسنوات، لكن بمستويات مختلفة".
شيفرة الملفات "الحساسة"!
وحول هوية مَن ينوب عن السنوار في استلام ملفات غزة، وخاصة المفاوضات والأسرى، وأيضاً من يخلفه في قيادة الحركة ككل، قال المصدر إنها تبدو "أسئلة صعبة الآن، ولا وجود لسيناريو محدد بهذا الخصوص، لأن هناك معطيات تنتظر قيادة الحركة تفكيكها، وأيضا تخضع لبحث ونقاش مستمرّين بخصوص خليفة السنوار".
والحال أن يحيى السنوار يُنظر إليه كـ"صندوق أسود"، باعتباره هو مَن يمتلك رفقة عدد قليل جداً من قيادة القسام العليا، كثيراً من المعلومات، بل والإجابة الكاملة بشأن خطة هجوم "طوفان الأقصى"، وغيرها من الملفات "الحساسة". عدا عن أن السنوار يُنظر إليه كشخصية أمنية أكثر من كونه عسكرياً أو سياسياً، وإن جمع هذه الصفات الثلاث في وقت واحد، وربما هذا الجمع هو ما يجعل غيابه ذا تأثير مُركّب ومعقد بالنسبة لحماس، وغزة عموما.
ويقول رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ"حماس"، وسام عفيفة، إن السنوار "لم يكن قائداً عادياً. كان رجل الظل والأسرار، وصاحب الملفات الحساسة"، وهو ما دفعه إلى طرح السؤال الأكثر إثارة: هل غادر السنوار الدنيا ومعه الأسرار التي كانت تؤرق إسرائيل؟ وكيف ستبدأ حماس فك شيفرة "ملف الأسرى"، على سبيل المثال؟ وهل يستمر الغموض بشأن مصير الأسرى الإسرائيليين في أنفاق غزة؟
ويعتبر عفيفة في حديث لـ"المدن"، أن رحيل السنوار "سيجعل إسرائيل في مأزق جديد، فقد يكون السنوار قد أخذ معه مفتاح الأسرى إلى الأبد، تاركاً القيادة الإسرائيلية أمام معضلة حلها الذي يبدو أبعد من أي وقت مضى".
لكنّ بعض هذه المفاتيح تبدو في يد شقيقه محمد السنوار، الذي يتولى قيادة "القسّام"، ويُعتقد أنه ما زال حياً، وتواصل إسرائيل تعقبه، وهو من يعرف خريطة كل أنفاق قطاع غزة، شمالاً ووسطاً وجنوباً، بصفته أحد المهندسين الرئيسيين للأنفاق.
حقيقة الحيثيات والتوقيت؟
بكل الأحوال، تصرّ رواية الاحتلال على القول إنه تم قتل يحيى السنوار "صُدفة" خلال اشتباكات في رفح قبل يومين، لكن سردية الواقعة وتاريخها، تبقى ضمن رواية الاحتلال، ولم يتم التأكد من مصدر آخر بشأن الزمن الحقيقي لما جرى، ولا تفاصيله.
لكن اللافت هو ما رصدته "المدن" في وقت سابق لإعلان الاحتلال قتل السنوار، إذ نشر الإعلام العبري قبل نحو أسبوع، أن الجيش الإسرائيلي كان قريباً من مكان تواجد فيه السنوار، خلال إحدى العمليات الأخيرة في القطاع، وأن الدوائر الأمنية الإسرائيلية اكتشفت ذلك لاحقاً.
بيدَ أن ما هو ملاحظ، أن جيش الاحتلال كثّف في الشهرين الأخيرين، الاستيلاء على بعض جثامين الشهداء الفلسطينيين في غزة، وأخذها إلى مختبراته للتأكد من أن أيا منها يعود إلى السنوار أم لا. وكانت إحدى المرات قبل نحو شهر، عندما دار خلاف "مهني" بين الاستخبارات العسكرية، وجهاز الشاباك، بشأن اغتيال السنوار في إحدى عمليات القصف في القطاع من عدمه. وتم حسم الخلاف حينها، عبر فحص جثامين شهداء في المكان المُستهدف، بعد أن ثارت شكوك حول وجود السنوار فيه، غير أنّ الفحوصات بينت حينها أن أيا من الجثامين لا يعود للسنوار.