على الأرض اللبنانية، تستمر العملية البرية الاسرائيلية، ومعها القصف الجوي الإسرائيلي، وقد واكب الاعلام العبري تطورات العملية البرية في جنوب لبنان، إلا أنه حاول تجاوز عقبة حظر الجيش إعلان مواقع تقدم قواته؛ لأسباب أمنية وعسكرية، عبر لجوء محطات التلفزة العبرية إلى مصادر لبنانية لتحديد أحدث نقاط التقدم لقوات الاحتلال في مناطق الجنوب، حيث سلط تلفزيون "مكان" الضوء على ما ذكرته مصادر لبنانية بشأن تقدم القوات الإسرائيلية في ميس الجبل ومارون الراس، في محاولة للوصول إلى بنت جبيل.
واعتبر مراسل "مكان" بالجبهة الشمالية، أن بنت جبيل لها "أهمية رمزية" كبيرة لكل من حزب الله وإسرائيل، وسط مزاعم عسكرية إسرائيلية بأن عدداً كبيراً من مقاتلي الحزب يتمركزون في المنطقة، بعد انسحابهم من مناطق جنوبية توغلت فيها قوات الاحتلال في وقت سابق.
ونوّه المراسل الإسرائيلي بدافع رمزي لإسرائيل، وهو أن منطقة بنت جبيل كانت مسرحاً قوياً في حرب تموز 2006، وأنّ الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله، كان قد ألقى "خطاب النصر" أيضاً في بنت جبيل، عقب تحرير جنوب لبنان في العام 2000. وأضاف هذا المراسل أنّ نصر الله قال من تلك المنطقة جملته الشهيرة "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت". ويروج الاحتلال لفكرة الإنتقام و"الثأر" من بنت جبيل.
وفي حال تمكن جيش الاحتلال من الوصول إلى بنت جبيل، باعتبارها "عاصمة المقاومة"، فإن القراءات الإسرائيلية تعده "إنجازاً عسكرياً محدوداً"، مقارنة بما حققه الجيش خلال عملياته البرية في جنوب لبنان منذ بداية عمليته البرية.
الحزب.. إدارة للرشقات الصاروخية
ويركز "حزب الله" في الأيام الأخيرة على إطلاق صواريخ وقذائفه على القوات الإسرائيلية المتوغلة في لبنان، وعلى مواقعها العسكرية، وعلى نحو أكبر من استهداف العمق الإسرائيلي بالرشقات الصاروخية، حسب تحليلات إسرائيلية، رأت تغيراً واضحاً أخيراً، بالنسبة لإدارة الحزب رشقاته الصاروخية، وربما ترشيدها على نحو يضمن "حرب الاستنزاف".
ومع ذلك، شدد مراسلون عسكريون إسرائيليون، في إفاداتهم التلفزيونية والإذاعية والمكتوبة، على أن ما يُسمع بخصوص بنت جبيل، مبنيّ على ما يُنشر في الطرف اللبناني؛ لأن الجيش الإسرائيلي لم يعلن شيئاً بهذا الخصوص؛ لإبقاء أنشطته العملياتية في ضبابية "مقصودة".
وبيّنت هذه الإفادات العسكرية أنّ القوات الإسرائيلية، تواصل عمليتها بكل الأحوال، بشكل محدود حتى اللحظة، رغم مرور نحو 5 أسابيع عليها، أي أنها تجري على عمق لبناني لم يتجاوز الخمسة كيلومترات من حدود فلسطين المحتلة. وأكد المراسل العسكري لهيئة البث الإسرائيلية أنه حتى الآن، لا قرار عسكرياً بتوسيع العملية البرية أكثر من ذلك. ولكن بالطبع، لا يُعرف إن كنت إقالة غالانت، ستؤدي إلى انعكاسات وتغييرات بهذا الخصوص أيضاً.
إقالة غالانت
وجاءت الدراما السياسية في إسرائيل، والتي تمثلت في إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوزير الحرب يؤاف غالانت، وتعيين يسرائيل كاتس بدلاً منه، لتضيف سؤالاً آخر بشأن ارتدادات هذه الخطوة على حرب لبنان وغزة.
الإقالة تفتح أسئلة عن "إدارة الحرب"
وبينما يعوّل نتنياهو على حسم خلافه مع الجيش، إزاء قضايا داخلية وأيضاً كيفية إدارة الحرب، يبرز سؤال بعد سطوة اليمين المتطرف على القرار السياسي والعسكري: هل يسعّر اليمين الحرب على لبنان على نحو أشد مما هو عليه الآن؟ وهل سيصعّد أهداف القصف الجوي ومديات العملية البرية؟
وهنا، قال محلل الشؤون العسكري لتلفزيون "مكان" العبرية، إيال عاليما، خلال إفادته الصباحية، إن القيادة العسكرية والأمنية في إسرائيل تقيّم في هذه الأثناء الانعكاسات المحتملة لقرار إقالة غالانت، مشيراً إلى أصوات تحاول الطمأنة والتهدئة، بأن قيادة الجيش ستواصل مهامها بشكل اعتيادي.
لكن رغم محاولات الطمأنة، قال عاليما إنه في هذه المرحلة هناك علامات استفهام كثيرة أثارتها إقالة غالانت بشأن "إدارة المعركة" في لبنان وغزة، مشيراً إلى أن الإقالة "ربما تمكن نتنياهو من اتخاذ قرارات لاقت معارضة الجيش في الماضي".
كما تحدث عاليما عن مخاوف بشأن الارتدادات المتعلقة بمسألة التنسيق العسكري مع أميركا. وكان عاليما علّق على تصريح لرئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، خلال لقائه أهالي المحتجزين الإسرائيليين في غزة، قبل ساعات من إقالة غالانت، والذي أشار فيه إلى أن "الوقت حان لعقد صفقة تبادل"، بأنه يعكس خلافاً بين الجيش والمستوى السياسي بخصوص طريقة إدارة الحرب على لبنان وغزة.
في حين، قال المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إن إقالة غالانت قبل نهاية الحرب هي "خطر حقيقي على إسرائيل".
بالعموم، أجمعت تحليلات إسرائيلية على أن كاتس سيكون مثل "الخاتم" في يد نتنياهو، واللافت أن كاتس لا يتحدث الإنكليزية، وسيحتاج إلى مترجم عند كل اتصال مع وزير الدفاع الأميركي، وأي مسؤول آخر في الولايات المتحدة. كما أنه ليس من مؤسسة الجيش، وهو ما يعني عدم علمه بتفاصيل الملفات العسكرية، والذخائر، التي يتم بحثها بشكل مستمر مع واشنطن. وبالطبع يُضاف إلى ذلك، العامل المتعلق بهوية الساكن الجديد في البيت الأبيض.
أصل الخلاف بين قيادة الجيش ونتنياهو؟
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن العملية البرية أوشكت على "استكمال أهدافها"، وأن رؤية قيادة الجيش تقوم على أن "إسرائيل تمتلك القوة الكافية الآن بعد ضرباتها ضد حزب الله"، وأنها يجب أن تنتقل إلى مرحلة "الجرأة" لعقد اتفاق سياسي مع لبنان، مع تأكيد الجيش على "أحقيته وحريته في العودة من جديد إلى جنوب لبنان، إذا خرق الحزب الاتفاق، وعاد إلى المنطقة الحدودية، وحاول إعادة إنشاء بنى عسكرية فيها".
ويستشف من تحليل مضامين ما نشر في الإعلام العبري، أن نقطة الخلاف الجوهرية بين الجيش ونتنياهو، تتمثل في أن الأول يخشى الاستنزاف الذي يشكل خطراً على "كفاءة القوات"، وأن تتلاشى "الإنجازات العسكرية التي حققها"، ويرى أن إدارة الحرب يجب أن تناور بين الاتفاق السياسي والعمليات العسكرية، وأن تكون هناك مساحة تعطيه حرية العمل لعودة عملياته مجدداً في لبنان.. لكن نتنياهو ومعه أقطاب اليمين، يرفضون رؤية الجيش هذه، ويصرّون على "النصر المطلق في لبنان وغزة"، "والتأكد من هزيمة الأعداء".
وادعت صحيفة "إسرائيل هيوم" وجود فجوة بين قيادة الجيش التي تريد اتفاقاً سياسياً، وبين ضباط وجنود متحمسين للذهاب إلى "هزيمة حاسمة للعدو".
تدمير قرى لبنانية.. كهدف للحرب
في غضون ذلك، توقفت نشرات الأخبار في عدد من التلفزيونات العبرية، عند ما وصفتها بـ"تقارير مثيرة" عن حجم الدمار الذي أصاب قرى لبنانية جنوبية، نتيجة العملية البرية، والقصف الجوي، مبينة أن "40" قرية لبنانية أصبحت شبه مدمرة، وهو ما يعني خسائر مادية كبيرة، تقدر بمليارات الدولارات، وفق الإعلام العبري. وإحداث الدمار الكبير، هو نهج إسرائيلي يقوم على جعله "وسيلة للانتقام.. وأحد أهداف الحرب الرئيسية".
وفي ذلك، طرحت بعض المعالجات الإعلامية العبرية، سؤالاً عما بعد ذلك: إلى أين تتطلع إسرائيل بعد العملية البرية؟ وهل تسمح بعودة السكان اللبنانيين إلى قراهم؟ أم ستحاول إنشاء حزام أمني خال من السكان في المنطقة المحاذية للحدود؟
وحسب ما نقله مراسلون إسرائيليون عن مصادر عسكرية قبل إقالة غالانت، فإن قيادة الجيش لا ترغب في هذه المرحلة، بالبقاء في منطقة أمنية بالأراضي اللبنانية، كما كان في الماضي، وأن الأمر مرهون بالتوصل إلى اتفاق سياسي مع لبنان.. لكن المصادر العسكرية نفسها أكدت أيضا للمراسلين الإسرائيليين، أن الجيش سيحتفظ لنفسه بـ"حق الرد" والقيام بمهام عسكرية في عمق لبنان، إذا عاد حزب الله إلى الحدود.