رغم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية، كانت تجري تحت شعار "أميركا أولاً"، وكانت هناك منافسة حامية الوطيس بين الجمهوريين والديموقراطيين على برامج هدفها أولاً وأخيراً، مَن يزيد مدخول المواطن الأميركي، أو من يملأ جيوبه، ومَن يؤمن له رغد العيش، لكن الانتخابات حصلت كما لو أنها انتخابات عالمية للقوة العظمى، وكأننا أمام مونديال لكرة القدم...فعدا عن الانعكاس "المتوقع" للفائز في الانتخابات، على الحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان أو الصراع الاقتصادي مع الصين، فإن الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من الرئيس الديموقراطي جو بايدن من أطنان الأسلحة والأموال لتدمير غزة ولبنان، كان ينتظر عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ذلك أن نتنياهو يحمل مشروعًا للسيطرة على الشرق الأوسط وابتلاع ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية، وتصفية القضية الفلسطينية. ففي زمان ولايته الأولى (2016- 2020)، تجاهل ترامب تعاطي العالم مع قضية القدس في إطار النزاع العربي الإسرائيلي، ولم يجد حرجًا في الاعتراف بها كعاصمة لدولة إسرائيل، وفي زمانه حصل الاتفاق الإبراهيمي للسلام. ويعتقد نتنياهو كذلك أن فوز ترامب سيمنحه حرية أكبر في مواجهة إيران وبرنامجها النووي. إيران المرشد كانت تنتظر فوز كامالا هاريس، فهي تريد باراك أوباما آخر يحتويها ويسمح بتمدّد أذرعها وزعزعة الأمن في الشرق الأوسط، والسيطرة على عواصم عربية من صنعاء إلى بيروت. ثمة هنود كانوا يحتفلون بترامب، لا نعرف لماذا، ربما هي غواية القوة والمشاريع الأميركية الموعودة في الهند في مواجهة الصين. الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عوّل على فوز الديموقراطييين بما يؤمن له السلاح للانتصار على روسيا، في حين أن ترامب وعد بوقف الحرب في أوكرانيا وغزة، ولم يُعرف على حساب مَن. أما أوروبا، فربما تخاف من الشعبويات المحلية والقومية المنبعثة من فوز ترامب.في لبنان، عشنا وكأن الانتخابات لنا وتحصل على أرضنا، خصوصاً أن لترامب صهراً متحدراً من أصول لبنانية اسمه مايكل بولس وهو زوج ابنته تيفاني. محطة تلفزيونية لبنانية جنّدت كل بثها ومراسلها لمناصرة ترامب "المخلّص" والفردوسي. وزير طامح في الحكومة الحالية، يحمل الجنسية الاميركية، بدا مروجاً لترامب لأن شعاراته تأتي في مصلحة لبنان. لم يشرح الوزير المفوّه كيف ومتى، ربما من باب أن ترامب ضد أذرع إيران ووعد بوقف الحرب. أحد المراسلين الذي استضاف مساعداً لترامب، كان يتحدّث عن إن المرشح الجمهوري لديه أحفاد يهود ولديه أحفاد لبنانيون، وبالتالي، بحسب المراسل العبقري، سيؤثر صهر الرئيس اللبناني في سياسته الخارجية "لمصلحتنا".هناك رابط أو تقاطع مضحك مُبكٍ، بين الرئاسة في أميركا "القوة العظمى" و"الإمبريالية" وصاحبة أعتى الجيوش في العالم، وحاضنة أباطرة أصحاب رؤوس الأموال الجدد، وبين الرئاسة في لبنان، البلد الهش، الصغير، المفلس، الغارق في الحرب، المارق، الضائع بين حكم الطوائف والميليشيا. في أميركا، تجري الانتخابات بسلاسة كل أربع سنوات، هناك تأثيرات فيها من الناخب العربي واليهودي والصيني والروسي والإفريقي والنسوي والمسيحي المتدين والمسلم المهاجر، وتؤدي الى انتخاب رئيس يتدخل ولديه تأثير عبر إدارته في شؤون العالم وتفاصيله من الشرق الأوسط إلى بحر الهند، ومن بولندا إلى الصومال. في مقابل انتخابات رئاسية لبنانية عصية على التنفيذ، فدائماً هناك حمى في مواصفات الرئيس المقبل، مع المقاومة ولا يطعنها في الظهر، أو سيادي ضد السلاح، حكم أو محايد أو قوي، أو "يتلقى السحاسيح" أو له حيثية أو لا يعادي العرب. مع كل انتخابات رئاسية في لبنان، يحصل التعطيل، أو تكون هناك أزمة، وأحياناً نزاعات مسلحة. صارت الانتخابات الرئاسية في البلد الصغير "عالمية"، بالمعنى السلبي، تتدخل الدول العظمي لحل المشكلة أو تشارك في التعطيل، من أميركا إلى إيران، ومن السعودية إلى فرنسا، ومن مصر إلى الأردن، وتؤدي إلى انتخاب رئيس يمتلك التوقيع، لكن يقال بحسب الدستور إنه بلا صلاحيات تنفيذية، إذ إن الحكم الفعلي لمجلس الوزراء مجتمعاً.المختصر أن الرئاسة الأميركية "قوة القوة" تُنتخب في يوم، وغداً يوم آخر. الرئاسة اللبنانية الضعيفة، بابل الأزمات حولها، وهي "ضعف الضعف"، ويأتي رئيس الجمهورية، إن أتى، وكأنه استئناف للفراغ.