أضافت الحرب على لبنان مزيداً من الأعباء على اقتصاد النظام السوري المنهك، فبعد تعاظم مشكلة نقص المواد الغذائية والوقود والسلع الحيوية وارتفاع أسعارها في الأسواق السورية منذ بداية العدوان الإسرائيلي في أواخر أيلول/سبتمبر، عادت أزمة شح الدولار الأميركي من جديد إلى الواجهة.
نقص الدولاروبحسب تقارير إخبارية تسجل السوق السوداء نقصاً حاداً في معروض الدولار الأميركي، إلى الحد الذي تواجه فيه مكاتب تحويل الأموال غير الرسمية صعوبات كبيرة في تأمين الدولار.وأدت الحرب في لبنان وصعوبة تنقل التجار بين دمشق وبيروت، إلى نقص الدولارات بين أيدي الوسطاء، وأشاروا كذلك إلى تسبب تراجع نشاط الشركات والهيئات والجهات الإيرانية، بمفاقمة نقص الدولار.وفسرت مصادر لـ"المدن" أزمة الدولار بأسباب عديدة، منها عدم تفريط غالبية السوريين بالدولار، مهما كان المبلغ، تحت تأثير مخاوف خروج الوضع الإقليمي عن السيطرة.تعطل شريان لبنانويشير وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة عبد الحكيم المصري، إلى جملة مسببات لمحنة نقص الدولار تدور في المجمل حول الحرب على لبنان، منها تراجع عمليات تهريب الدولار من لبنان بسبب توقف غالبية المعابر غير الشرعية بين البلدين. ويوضح لـ"المدن"، أن "المعابر مع لبنان كانت تؤمن البديل عن التحويلات المالية الرسمية إلى سوريا المتوقفة بسبب العقوبات الأميركية على البنوك والمصارف السورية، وتوقف التهريب وحركة الأموال الأجنبية إلى سوريا منذ الحرب في لبنان أوقف هذا الشريان". وما سبق دفع بالنظام السوري إلى تشديد الرقابة على المكاتب وشركات الصرافة، وفق تأكيد المصري، الذي لفت إلى زيادة المتابعة من الأجهزة الأمنية لعمل المكاتب والشركات، بهدف الحد من الطلب على الدولار.من جهة أخرى، يشير الوزير إلى تراجع حوالات السوريين في الخارج، بسبب سياسات بعض الدول المستضيفة مثل ألمانيا، التي اعتمدت بطاقات الدفع عوضاً عن المساعدات المالية النقدية لطالبي اللجوء، بهدف الرقابة على التحويلات المالية إلى الخارج، مؤكداً أن "اقتصاد النظام السوري كان يعتمد بشكل كبير على التحويلات الخارجية".في السياق ذاته، أثرت الحرب في لبنان على العمالة السورية، ما أدى بطبيعة الحال إلى تراجع المبالغ المحولة منهم لبلادهم.عائدات "الكبتاغون" يُضاف إلى ما سبق، تراجع تجارة الأقراص المخدرة نتيجة الوضع الميداني السائد، وتشديد الدول إجراءات الرقابة على الحدود مع سوريا، وفق مصادر "المدن"، التي أشارت إلى إحباط الأردن أكثر من محاولة تهريب مخدرات، بعد قرار عمّان تسهيل حركة السوريين عبر معبر نصيب الحدودي.ويشير الباحث والخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي، إلى ما يمكن اعتبارها بـ"تعهدات" من جانب النظام السوري بالحد من شحنات المخدرات المهربة نحو الأردن، موضحاً لـ"المدن"، أن "الاتفاق مع الأردن على تسهيل إجراءات العبور، وكذلك إعادة تسيير الرحلات الجوية بين سوريا وجدة في السعودية، سبقه غالباً تعهد النظام بتتبع شحنات المخدرات، وهو ما أدى إلى حرمان السوق الداخلية من عوائد تجارة المخدرات بالدولار".وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، جرى الاتفاق بين النظام والأردن على زيادة ساعات العمل على المعبر لمدة ساعتين، والبدء بأعمال توسيع معبر جاير/نصيب الحدودي. بموازة ذلك، لفت قضيماتي إلى عزوف قسم كبير من التجار السوريين عن التعامل مع لبنان، خشية خسارة الأموال، بسبب الحرب واحتمال توسعها إلى المناطق التجارية والصناعية اللبنانية.وثمة جزئية أخرى قد تكون من بين الأسباب التي أسهمت ولو بشكل محدود في تراجع الدولار، مرتبطة بإيقاف النظام العمل بتصريف 100 دولار أميركي عند دخول السوريين إلى بلادهم، عبر المعابر الحدودية الرسمية مع لبنان.