ليس عناصر الدفاع المدني الذين إستشهدوا في الغارة الإسرائيلية على المركز الإقليمي للدفاع المدني في بعلبك، ليل أمس، مجرد أرقام. إنما هم العناصر والمتطوعون الذين كانوا حاضرين بعد كل غارة نفذت على مدينة بعلبك وقرى قضائها، الممتدة من تمنين، النبي شيت وسرعين في جنوب محافظة بعلبك، وحتى عرسال في شمالها. وقد شملت عملياتهم إنقاذ الأحياء وإنتشال ضحايا مئات الغارات التي شنتها إسرائيل على المنطقة منذ ما قبل 23 أيلول الماضي، وحتى آخر مهمة خرجوا بها قبل ساعتين فقط في محلة شعب بوسط مدينة بعلبك.
هم بلال رعد رئيس المركز، وكل من الشهداء الأبطال حسين حسن، خليل ناصر الدين، علي نون، علي كركبا، عباس الحلباوي، حسين الخطيب، أحمد حمزة، حسن وحود، حيدر الزين، علي عواضة، عمر الصلح، حسين كركبا، وعباس نون، وجميعهم متطوعون في مؤسسة الدفاع المدني الحكومية للإسعاف والإنقاذ، بالإضافة الى خمسة شبان آخرين من متطوعي الهيئة الصحية الذين كانوا يترددون الى المركز. أنهى هؤلاء جميعا مهماتهم التي توزعت في أكثر من مكان خلال النهار، وانتشلوا آخر الضحايا في الغارة على حي الشعب، قبل أن يعودوا الى المركز. غادر أحدهم لملاقاة عائلته، وآخر للإطمئنان مع زوجته المتطوعة في الدفاع المدني أيضاً، على شقيقتها القاطنة في حي الشعب، بينما كان آخر يحضر الطعام لزملائه، فنجا هؤلاء مع زميل آخر من عناصر المركز. لم ينج غيرهم، وعليهم تتوقف المهمة الأصعب في أن يتعرفوا على جثث زملائهم الشهداء، أو يحاولوا العثور بين الأنقاض على ناج آخر من زملائهم. ومن لم يتحول من عناصر المركز إلى أشلاء تم تميزه من علامات فارقة على أطرافه، أما الباقون فتمت لملمة أجزائهم المتناثرة بين أنقاض مركزهم الذي دمر كلياً مع تجهيزاته، وتضررت آلياته بشكل كبير بالإضافة الى أضرار لحقت بمحيط المركز والسيارات المركونة على أطرافه.المحرك الأساس للمراكزضربت إسرائيل بإستهدافها مركز بعلبك الإقليمي المحرك الأساس لنحو 35 مركزاً في محافظة بعلبك، وفقاً لما ذكرته إحدى المتطوعات. فالمركز الذي نشأ في سبعينيات القرن الماضي، يعد الأول بين المراكز التي نشأت في منطقة البقاع الى جانب مركزي زحلة وجب جنين، والوحيد الذي يدير عمليات كل مراكز مدن وبلدات بعلبك، وتنطلق منه التوجيهات لباقي المراكز، بعد أن إنضم عناصر مركز العسيرة إليه مع بداية العدوان الإسرائيلي على بعلبك. وبحسب الرئيس الإقليمي للدفاع المدني في البقاع فايز الشقية، فإن إستهدافه، ومقتل معظم عناصره لا بد أن يؤثر بشكل كبير على عمل المراكز الباقية التي كانت تتلقى الأوامر منه مباشرة، وبالتالي سيحتاج هؤلاء الى بعض الوقت لاكتساب الخبرة التي كانت تتوفر لدى عناصر هذا المركز ورئيسه.
في إشارة الى حجم الضرر الذي خلفته إسرائيل باستهدافها المركز، كتب محافظ البقاع بشير خضر على حساباته عبر وسائل التواصل الاجتماعي معزيا برئيس المركز بلال رعد، ما يلي:"كنت أتصل بك بعد كل غارة لمتابعة رفع الأنقاض، وفي كل مرة كنت تسبق إتصالي الى المكان المستهدف. بمن سنتصل الآن؟ ومن سيرفع الأنقاض؟ ومن سيطفئ حرائق اشتعلت في قلوب استهدفها العدوان."
وبحسب الشقية فإن المديرية العامة للدفاع المدني هي صاحبة القرار الذي سيتخذ بشكل سريع ومباشر تلبية لنداءات الإستغاثة للمواطنين في ظل إستمرار العدوان الإسرائيلي على المنطقة، معتبراً أن اللحظة الآن هي لإنتشال العناصر الذين لا يزال بعضهم مجهول المصير، ووداع العناصر الذين استشهدوا بمراسم تليق بتضحياتهم في خدمة الإنسانية.تحذيرات سابقةوكان رئيس مركز بعلبك بلال رعد تلقى إتصالاً من شخص عرف عن نفسه بأنه ناطق باسم الجيش الإسرائيلي، بالتزامن مع التحذيرات التي وجهت الى أهالي مدينة بعلبك، وبلدتي دورس وعين بورضاي لإخلائها قبل أسابيع. وبحسب عناصر من الناجين، فإن مركز الإقليم أخلي ليومين حينها، إنتقل خلالهما العناصر الى ثكنة الجيش المجاورة. غير أن عناصر المركز استبعدوا تهديدهم، وظنوا أن الخطر عليهم إنتهى مع استهداف المباني المواجهة للمركز.
عاد المتطوعون الى مركزهم، وقرروا استئناف عملهم الذي يتطلب حضوراً متواصلاً منذ بدء العدوان الإسرائيلي على منطقة بعلبك الهرمل. وعليه كان من الطبيعي أن يكون معظم العناصر في المركز أثناء الغارة، مما يعني أن إسرائيل تقصدت إرتكاب مجزرة بحقهم، وبث الخوف في نفوس المتطوعين بالجهاز ومنعهم من تأدية واجبهم الإنساني، بصرف النظر عن إنتماءات هؤلاء وأرائهم السياسية التي قد تكون مؤيدة أو معارضة لفتح جبهة مساندة لغزة من لبنان.
وكان عناصر الدفاع المدني في إقليم بعلبك، وغيرها من المراكز التي تعمل في المناطق المصنفة حمراء، شكوا أكثر من مرة من ضعف إمكانياتهم، التي عرضتهم للخطر في تنفيذ المهمات. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها عناصر الدفاع المدني ومراكزه لإستهدافات مباشرة منذ بدء العدوان الإسرئيلي على لبنان. إعتبرت هيئة الدفاع المدني الإستهداف المباشر لعناصرها انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية الإنسانية، ودعت الى تحرك عاجل لوقف هذه الإنتهاكات.