وضعت دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح، وحل حزب العمال الكردستاني، التنظيمات والمليشيات المسلحة الكردية المنتشرة في سوريا، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أمام مفترق طرق، وتطور جديد على الصعيدين السياسي والشعبي.
وفي بيان تلاه وفد من نواب حزب "الشعوب للعدالة والديمقراطية" التركي المؤيد للأكراد، الذي زاره في وقت سابق الخميس الماضي، قال أوجلان: "اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً.. يجب على كل المجموعات إلقاء أسلحتها ويجب على حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه".
وأضاف أوجلان القائد المؤسس لحزب العمال، والذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن بجزيرة إيمرالي الواقعة جنوب بحيرة مرمرة، غرب تركيا: "أدعوا إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة"، مؤكداً عودة القنوات السياسية والديمقراطية المغلقة إلى الانفتاح من جديد.
التفاف متوقع
وكما كان متوقعاً، سارع قادة الجماعات والتنظيمات المسلحة الكردية، وفي مقدمتها قسد، للخروج واستثناء مليشياتهم من النداء، الذي اعتبروه خاصاً بالمقاتلين والجماعات المرتبطة بالحزب وعملياتهم العسكرية في تركيا، وتأكيدهم على دعم أوجلان في رسالة منفصلة، لعملهم "من أجل السلام في سوريا ومحاربة تنظيم داعش".
بدوره أعلن قائد مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، أحد المكونات التابعة لحزب العمال في سوريا، رفض دعوة أوجلان، معتبراً أن أجواء النضال الديمقراطي غير متوفرة في سوريا، مضيفاً "عندما تتوقف الهجمات ضدنا تنتفي أسباب حمل السلاح".
ومن المفترض أن تجري القيادة المركزية لحزب العمال الكردستاني اجتماعاً خاصاً خلال اليومين المقبلين، لتبيان موقفهم من دعوة أوجلان، إن كان بالاستجابة الكاملة أو تحديدها بالمقاتلين على الأراضي التركية فقط.
في الطريق لرفض الدعوة
ويرى الباحث السياسي علي تمي، أن طرح أي حل يدعو إلى تفكيك الجماعات الأيدلوجية لنفسها، ضرب من الخيال، خاصة وأن حزب العمال صار لديه امتداد كبير وعلاقات دولية.
ويقول تمي لـ"المدن": "أي دعوة للسلام وقبولها يُعدّ بمثابة انتحار لهذه الجماعات، خصوصاً حزب العمال الذي أنشأ دولة داخل سوريا والعراق، مستغلاً المظلومية الكردية، ولديه أنصار بالآلاف في أوروبا ويمتلك منظومة من القنوات الفضائية".
ويضيف "بعد أن أصبح الحزب متحكماً بحدود أربعة دول، ويُستقبل قادته في العواصم الأوربية ويستقبلون الوفود في الحسكة، ويسيطر على خطوط تجارة واسعة، مكنته من ابتزاز الحكومة السورية إضافة إلى ورقة النفط والغاز، فإن مسألة حل نفسه والعودة إلى حياة التشرد، يعدّ ضرباً من الخيال".
قرار قسد المعقد
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، يعتبر الباحث في مركز رامان للبحوث بدر ملا رشيد، أن توضيح قرار نأي قواتها عن إعلان أوجلان، يتطلب الإلمام بالعديد من الجوانب لتحليل موقفها، خصوصاً وأنها تعد من أدوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في سوريا.
ويقول ملا رشيد لـ"المدن": قرار إلقاء السلاح وإن كان جزء منه يعود لقسد، إلا أن القرار الرئيسي مرتبط بموافقة التحالف الدولي، إضافة إلى أن معظم عناصرها من قوميات سورية مختلفة، وبالتالي فإن إلقاء السلاح يفترض أن يجري في سياق دمجهم ضمن مؤسسات الدولة العسكرية، بحسب سير المفاوضات مع السلطات في دمشق، وموقف التحالف الدولي والقوى السياسية شرق سوريا".
وفي حال خروج عناصر حزب العمال، فيُفترض أن تتجه قسد للتفاوض بجدية أكبر مع دمشق، باعتبارها منظمة عسكرية سورية، ولديها فعلاً قابلية الانخراط داخل الجيش السوري مستقبلاً، بحسب رشيد.
الشارع الكردي منقسم
ومع ذلك، لا يبدو أن نداء أوجلان قد لاقى آذاناً صاغية من قبل قادة الأكراد وعناصرهم في سوريا، حيث تزامن مع خروج عناصر تابعين للإدارة الذاتية في مدينة الرقة، في مظاهرات رافضة لنداء ترك السلاح، إضافة إلى قيام وحدات حماية الشعب والاتحاد الديمقراطي برفع السواتر الترابية، في حي الشيخ مقصود بحلب، على طول خطوط التماس مع الجيش السوري.
لكن ملا رشيد يؤكد أن "شريحة واسعة من الشارع الكردي المدني في سوريا، الذين ارتبط مصيرهم بوجود قسد، مؤيدون للسلام مع دمشق، لكن ضمن مطالب تضمن حقوق الكرد ويحميها الدستور".
تظهر تصريحات قادة الجماعات الكردية في سوريا نيتهم الاستمرار في القتال، وهو ما يجعلهم أمام واقع العملية العسكرية التركية في حال تعنتها، خصوصاً بعد تحقيق أنقرة السلام مع حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها.