ماذا يفعل الشعراء حين يواجهون الكوارث والأوبئة والأزمات السياسية والانتفاضات، هذه أشياء محسوسة على المستوى الإنساني، وهناك الكثير من الخسائر الشخصية.إحدى المحركات الأساسية للشعر أنه ينتمي إلى مكان وثقافة محددتين، وهو موجود الآن في كل مكان: في الكتب وفي محطة القطارات والسينما وأنستغرام والمكتبات والمقاهي، ويمكن للقصائد أن تفتح لنا الاحتمالات وتجعلنا نشعر بها بشكل غريزي.المظاهرة السياسية تحدث في لحظة ما، وتكون مواضيعها دائماً في وضع هش، هنا كيف ينتج الشعر سياسته الخاصة حين تدور القصيدة حول الجدران الحقيقية والجدران المجازية: يأس المرء أو يأس المجتمع، حلم الأفراد، وفكرة الخسارة ذاتها لا يمكن إجراء أي تعديلات عليها.
مثلاً أمواج المهاجرين التي تراها على شاشة التلفزيون في رحلة، أقل ما يُقال عنها أنها خطرة، من أجل الكرامة والبقاء على قيد الحياة، تلمحهم في الحقول وورش البناء والأعمال الشاقة أو غيرها من الوظائف ذات الأجور المنخفضة، هم أيضاً الأشخاص ذاتهم المقيدون في رحلة معاكسة نحو بلدانهم الأصلية.
صورة الجسر البشري الهائل من النساء والرجال والأطفال العائدين إلى حطام أمكنتهم الهائل، المطل على البحر، وإلى فكرة البيت والمأوى والشرفات التي على الأرض مع أصيص الورد وأحاديث العائلة التي لم تكتمل مع قوالب الجبصين.مشاهد عودة السوريين من منافيهم وأوطانهم القسرية إلى ما تبقى من الصورة القديمة للبلاد التي هجروها أو تهجروا منها، الحنين الغامض والبكاء الحار على أعتاب المطار اليتيم ومدرج الطائرات. كانت الدموع تسيل من الحقائب.قد لا تكون للألم شيفرة وراثية مثل بذور البطيخ التي تدوس عليها في الحقل، وتذكر دائماً أن العنف ترعاه الدولة عبر التاريخ.تعاملتُ مع الأمكنة مثلما أقرأ قصيدة نثر طويلة، أخترع بحيرة صغيرة تحيطها قطعة أرض مميزة، وأحياناً أتساءل اين سأبني البيت الذي سأقيم فيه. عدم ثباتي في مكان جغرافي هو أيضاً جزء من الجزع الذي بقي معي.أعيش هنا في الريف لمراقبة الطيور والتمتع بالمساحات الطبيعية المتبقية التي أحبها وتساعدني على الشفاء، بينما أرى الشمس من بعيد مثل صحن فخار صغير يتكسر خلف التلال. وتشاهد ما يُسمّى مشاريع التجديد في أماكن النزاع التي تُبنى محل ركام المنازل والأحياء والمباني المدمرة باستبدالها بمساكن ومؤسسات تجارية وفيلات وفنادق بعد طرد السكان، فالقوى الحاكمة والمسيطرة دائماً لها الحق في تحديد ما هو جميل، وسيتم فيما بعد إعطاءكَ تصريحاً أو إذناً بالصراخ والتظاهر ضد كل ما يحدث.
كيف يتخطى الشعر حدود الجغرافيا، وكيف يعالج تجارب الأذى ونسيج المواد الغريبة والصدمات، وكيف تعمل الهويات والولاءات المختلطة، وكيف تصبح القصائد قطعاً أثرية، أو نصوصاً للأداء في الشارع أو على خشبة المسرح؟ هناك جسر بيلوغرافي بين أجيال شعرية كثيرة في العالم مع ما أنجز من أعمال في الأدب الأميركي والغربي. الفن مدعو للإعتراف بأن جودته تكمن في الخيال.الاستعارة والسخرية والتهكم وتفتيت النصوص والغرابة هو نوع من الحب! حفنة من المحادثات إلى جانب الشغف القديم بكرة القدم وعلم الاجتماع وتاريخ القانون الروماني الذي أغرمت به أيام الدراسة، وأحياناً قد تصبح السياسة ذريعة للعمل الأدبي والشعري، وماهو حتمي بشكل أكيد هو الكتابة نفسها، الأصوات، والطوباوية بالتأكيد.قرأتُ مرة هذا الرأي، نسيتُ اسم كاتبه: "الحكومة الجيدة في الشعر هي الحكومة الوحيدة التي لا تسقط".الشعر هو الشكل الوحيد للتغيير الجذري الذي لا رجعة فيه في العالم، أو بمعنى ما كتبه آلن غينسبرغ "أنه سوف يقود إلى ما قد يكون خلاص العالم".الخطاب الثقافي والشعري لكل من رئيسة المكسيك كلوديا بارادو ورئيس كولومبيا غوستافو بيترو الموجه مؤخراً إلى دونالد ترامب، يشبه قول المعرّي: "خفّف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ".