في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، أكد أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم على سياسة "اليد الممدودة" في الداخل اللبناني. وهذه السياسة كان بدأها الحزب، بعد تشاور واتفاق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من خلال الدخول في التسوية الرئاسية التي أدت لانتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ومن ثم التفاوض الإيجابي مع نواف سلام، وأيضاً من خلال إعطاء الثقة في المجلس النيابي لحكومة سلام وهو الأمر الذي لا يفعله حزب الله عادة.
قدّم الثنائي الشيعي ما يجب تقديمه لإظهار حسن النوايا السياسية تجاه العهد الجديد، تقول مصادر قيادية في الثنائي، مشيرة إلى أن سياسة اليد الممدودة لكي تنجح بحاجة إلى يد ممدودة مقابلها، لكي تعمل الأيادي سوية بغية الوصول إلى نتائج إيجابية، وهذا ما يحاول فعله الثنائي اليوم في ملف التعيينات أيضاً.منفتحون ولكن ...يخشى الثنائي الشيعي أن تُفهم سياسة اليد الممدودة على أنها ضعفاً، وبالتالي يتم التعامل معه على هذا الأساس، وهو الذي يُدرك بحسب المصادر أن ملف التعيينات الضخم سيحمل الكثير من المطبات في العلاقات بينه وبين رئاستي الجمهورية والحكومة بسبب الضغوطات الخارجية التي تتدخل في كل شاردة وواردة في ملف التعيينات.
وتضيف المصادر عبر "المدن": "هناك تدخلات، ولكننا غير معنيين بها، ولا نقبل على الإطلاق تجاوزنا في مسألة التعيينات، وهو ما لم يحصل بعد، بالرغم من دعوات قوى داخلية لذلك"، مشيرة إلى أن مشاورات الثنائي مع رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي سبقت البحث بالتعيينات، أكدت أن أحداً في الخارج لم يطلب منهما عزل الثنائي أو إبعاده عن ملف التعيينات، ولو أن تقارير كثيرة تقول غير ذلك، ولكننا "نتعامل مع الرئيسين بنوايا إيجابية"، تقول المصادر.
عندما بدأ "الجدّ" ظهرت الفوارق في الآراء، فالمسألة، بحسب المصادر، بدأت عند البحث في أول موقع أمني شيعي، وهو منصب مدير عام الأمن العام، حيث اقترح الثنائي إسماً يعرفه رئيس الجمهورية جيداً كونه كان سابقاً في الجيش اللبناني، وهو العميد مرشد الحاج سليمان، وهو الذي يشغل منصب أمانة السر في إدارة الأمن العام، فكان جواب رئيس الجمهورية بأنه يرغب بأن يكون هناك أكثر من إسم مقدّم للمنصب، فعاد الثنائي واقترح ثلاثة أسماء، العميد مرشد الحاج سليمان، العميد حسن شقير من أمن الدولة، والعميد موسى كرنيب، ليتبين أن لرئيس الجمهورية مرشح مختلف وهو مدير مخابرات الجيش اللبناني في البقاع العميد محمد الأمين".
قيل الكثير عن هذا الموقع وطبيعة الاختلاف بالرأي، لذلك تُريد المصادر القيادية في الثنائي توضيح الأمر عبر "المدن" لمرة أخيرة، والتأكيد على أن المشكلة ليست بالإسم، بل بالمبدأ، فالثنائي كممثل سياسي للطائفة الشيعية من حقه، كما غيره، أن يكون مشاركاً بالتعيينات، وكما يتمسك رئيس الجمهورية بحقه منفرداً بتسمية قائد للجيش، وكما يتمسك رئيس الحكومة بأن تكون الكلمة الأخيرة بالتعيينات السنية له، يحق للثنائي أن يكون مشاركاً بفعالية باختيار الأسماء للمواقع الشيعية، خصوصاً عندما نتحدث عن مواقع لا يخضع التعيين فيها إلى الآلية التي يُعمل عليها اليوم في مجلس الوزراء والمستلهمة من آلية وزير الدولة للشؤون الإدارية السابق محمد فنيش.
من هذا المنطلق عندما اقترح بري الإسم الأول للأمن العام، ومن بعدها أصبحت الأسماء ثلاثة، مع التشدد باختيار مرشد الحاج سليمان، لم يسمع بري، بحسب المصادر، أي موقف يدعم الاعتراض على إختيار الإسم، وهو ما جعل الخلاف حول أصل المساهمة بالتعيين لا حول الإسم المقترح، وتشدد المصادر على أن الثنائي، من خلال الرئيس بري منفتح على النقاش والحوار والتشاور، ولكن بناء على أسس واضحة، لأن ما سيسري على الأمن العام سيسري على كل باقي المواقع، وهنا الحديث عن عدد كبير جداً من المواقع الشيعية الأساسية منها القضاء المالي، نائب حاكم المصرف المركزي، التعليم المهني والتقني، أحد نواب مدير مخابرات الجيش، الذي للمناسبة كان العميد محمد الأمين من أبرز المرشحين للموقع، نائب رئيس مجلس الإنماء والإعمار، وغيرها الكثير.شقير الحل الوسط؟في بعض الأوساط حديث عن أن العميد حسن شقير قد يشكل الحلّ الوسط ما بين رئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية، وبحسب المصادر فإن كل الحلول متاحة للنقاش، ومنها هذا الحل الذي يجري التشاور بشأنه، إنما على أساس ما ذُكر أعلاه، علماً أن الثنائي يفضّل أن يبقى العميد شقير في منصبه في أمن الدولة وهو الذي أثبت جدارة استثنائية في ذلك الجهاز الذي سيشهد على تعيين مدير جديد، على الأرجح أن يكون العميد في الجيش اللبناني إدغار لاوندس، مع الإشارة إلى وجود مرشح آخر للموقع يشغل موقعاً عسكرياً في سفارة لبنان في الولايات المتحدة الأميركية، ولو كانت حظوظه ضعيفة جداً.
وبحسب معلومات "المدن" فإن تعيين العميد شقير في الأمن العام، بحال تم التوافق عليه، قد يشهد على عملية تبادل بين "أمن الدولة" و"الامن العام"، بين شقير والحاج سليمان.تستمر المشاورات حول تعيين مدير عام للأمن العام، وبحسب المصادر فإن الوقت متاح للوصول إلى اتفاق قبل جلسة الحكومة المقبلة، علماً أن هناك خلافات على منصب مدير عام قوى الأمن الداخلي أيضاً بين القوى السنية الأساسية، ولذلك هناك من يقترح تأجيل التعيين بالمنصبين للأسبوع المقبل، مع التشديد على أن الإتفاق ممكن في أي لحظة، حيث يتم البحث بكيفية "التبادل" بين الأسماء والمواقع، لتسير التعيينات على الطريق السليم.