في غمرة تحديات أمنية وسياسية خطيرة في الضفة الغربية، أنجز الجزء الثاني من المسلسل الفلسطيني "نزيف التراب"، ليكون ضمن مسلسلات "رمضان 2025" التي تبث حصراً عبر شاشة قناة "العربي 2"، وسط تفاعل لافت من قبل المشاهدين، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم انعدام صناعة الدراما الرائدة في فلسطين، لاعتبارات ظرفية وموضوعية، إلا أن مجرد إنتاج المسلسل على موسمين وسط ظروف إنتاجية معقدة، ونيله متابعة كبيرة، وسعيه لتقديم سردية فلسطينية من بوابة الدراما، تعد كلها معايير نجاح للمسلسل، بمنظور القائمين عليه، بغض النظر عن أي نقد فني له، علماً ان المسلسل بجزئيه الأول والثاني، بدا محاولة لتقديم رواية وسردية وطنية فلسطينية، عبر عمل درامي يستعرض يوميات الضفة التي تتعرض لعدوان عسكري واستيطاني إسرائيلي متفاقم.وعن سبب إنتاج موسم ثان من "نزيف التراب" بدلاً من خوض تجربة جديدة، قال مخرج المسلسل بشار النجار في حديث مع "المدن"، أن النجاح الذي حققه الجزء الأول، وتأثيره في قلوب الناس، عدا عن ارتباط فكرته ونصه بأحداث واقعية مازالت مستمرة، دفعته إلى إنتاج الجزء الثاني.وعول النجار على أن يكون المسلسل "بداية أولى لدراما فلسطينية حقيقية"، مؤكداً أنه لا يوجد نجوم دراما فلسطينيين، لكن "نزيف التراب" خلق نجوماً ولاقى صدى بالشارع، على نحو ميزه عن مسلسلات أخرجها النجار سابقاً. وحرص الجزء الثاني للمسلسل على قول ما لم يقله في جزئه الأول، وسلط الضوء على المخيم الفلسطيني، باعتباره عمقاً للقضية الفلسطينية، إلى جانب قضايا جديدة.وينطلق المسلسل من نقطة انتهاء جزئه الأول، وهو خطف الضابط الإسرائيلي مردخاي على يد المقاومة في الضفة الغربية، ودارت الحلقات الأولى للمسلسل حول كيفية المحافظة على الضابط، ومحاولة إخفائه بعيداً من عيون الاحتلال، وسط ظروف أمنية مشددة ومعقدة، ومحاولات إسرائيلية للوصول إليه من دون جدوى، في مقابل تأكيد المقاومة أن الإفراج عنه يتم فقط عبر صفقة تبادل للأسرى.وفي "نزيف التراب" إسقاطات سياسية واجتماعية، وتستكمل فيه خيوط الجزء الأول بما يتعلق بالمقاوم المطارد بلال وأمه التي تعيش رهينة فقدان ذاكرتها وتهديدها من عميل للاحتلال، ما يفقدها القدرة على الكلام. كما يبرز المسلسل الصمود الأسطوري لـ"أم عسكر"، مسلطاً الضوء أيضاً على واقع الأسرى في السجون الإسرائيلية، خصوصاً الأسيرات والأطفال، إضافة إلى هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية.وكان لافتاً في الموسم الجديد، أن العميل الفلسطيني للاحتلال خليل، ليس له أب ولا أم، وهو ما فسره المخرج بشار النجار، بأنهم تعمدوا جعل العميل مجرداً للقول أن "من يقوم بالعمالة يمثل نفسه فقط"، كما خلق القائمون على العمل الدرامي، شخصية نور الأخ التوأم للعميل أنور الذي انتحر في الجزء الأول، لإثارة مسألة التنمر على أقارب العملاء، رغم أنه لا دخل لهم بجريمته الوطنية.ولم يكن إنتاج المسلسل وتصويره الذي انطلق في كانون الثاني/يناير الماضي، سهلاً، وأكد النجار أن فريق العمل واجه تحديات داخل تحديات، أبرزها صعوبة وصول الممثلين إلى مواقع التصوير، بسبب تقطيع الاحتلال أوصال الضفة بالحواجز والإغلاقات، وكذلك الاقتحامات الإسرائيلية المباغتة، والتي يصعب توقع توقيتها ومكانها، ما وضع الممثلين والطاقم الفني، في حالة خوف دائمة، ما جعل الظروف الإنتاجية "سيئة جداً".وقالت الممثلة الشابة في المسلسل نغم كيلاني، التي أدت دور الأسيرة المحررة "أمل"، إن إنتاج الجزء الثاني كان أكثر تعقيدا من الناحية الأمنية واللوجستية، مقارنة بالموسم السابق، مبينة أن أصوات طائرات الاحتلال، خصوصاً الاستطلاعية ذات الصوت المزعج المعروفة بـ"الزنانة"، والاقتحامات الدائمة، خلقت ظروفاً إنتاجية مرعبة.مثلاً، استغرق تصوير مشهد قصير 5 ساعات، بسبب صوت "الزنانة" الإسرائيلية، رغم أنه في الوضع الطبيعي يمكن إنجازه في 15 دقيقة. وأوضحت كيلاني أنه خُطط لأن تكون مواقع تصوير المسلسل في جنين وطولكرم ونابلس، لكن طاقم العمل اضطر لإلغاء الحجوزات نتيجة صعوبات التنقل والأحداث الأمنية جراء تصعيد الاحتلال، فاستحدثت مواقع تصوير في نابلس فقط.واضطر طاقم العمل أكثر من مرة لإخلاء مكان التصوير عند اقتحام الجيش الإسرائيلي، وسط مخاوف على سلامتهم، وحرص مستمر على حماية أجهزة التصوير من تكسيرها أو مصادرتها من قبل الاحتلال. وبشأن شخصية أمل، قالت كيلاني أنها سعت من خلالها إلى الحديث أكثر عن معاناة الأسيرات الفلسطينيات، والتطرق لتفاصيل لم ترو عن معاناتهم.وبتتبع تطور الشخصية، فإن أمل بعد خروجها من سجون الاحتلال، تبرز كأخت لمقاوم مطارد وأسيرين بقبعان في سجون الاحتلال، ولتجد أمها في حالة نفسية صعبة بفعل تعرضها لحادثة تجهلها. وفي حين تتركز أحداث المسلسل في قرية بنابلس، اسمها الافتراضي "تل الصبر"، يضطر بلال شقيق أمل إلى الانتقال إلى جنين، بعد أسر الضابط الإسرائيلي مردخاي، بينما بقي صديقه ياسر المتحدر من جنين في "تل الصبر"، ليتولى كل من المقاومين الاهتمام بعائلة الآخر.أما خليل المتخابر مع الاحتلال، فجسد شخصيته الممثل مؤيد عودة الذي قال لـ"المدن" إن تجسيد شخصيته بالمسلسل، لم يكن سهلاً، لأن الشخصية مركبة ومعقدة، ولا توجد سيرة ذاتية واضحة لها، فغاب الوالدان، وسط غموض البيئة التي نشأ فيها وجعلته عميلاً للاحتلال. ويمثل خليل نوعية العميل الذي يكره وطنه ويخونه مع سبق الإصرار، لدرجة مبادرته لتقديم خدمات للمخابرات الإسرائيلية، بصفته متجرداً من الإنسانية والوطنية، فعكس "حالة مرضية وطنياً ومجتمعياً"، بحسب الممثل عودة.وتطرقت تلفزيونات ومنشورات عبرية للمسلسل الفلسطيني، من بينها قناة "14" الإسرائيلية التي توقفت عند مصطلحات عبرية استخدمت في المسلسل، وأيضاً حبكته التي تتمحور حول خطف جندي إسرائيلي، مروراً ببثه في قناة "العربي 2". كما رصدت "المدن" مقالاً في موقع استيطاني، يصف "نزيف التراب" بـ"مسلسل فلسطيني معاد للسامية ويمجد الإرهابيين".