بعد نحو شهرين على انتخاب القائد السّابق للجيش جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة اللّبنانيّة، اتّفقت الحكومة اليوم الخميس على تسمية رجلٍ وصفته أوساط عسكريّة رفيعة المستوى بـ"رجل المرحلة": إنّه العميد الركن رودولف هيكل، الذي رُقّي إلى رتبة عماد، وقادته مسيرته العسكريّة الحافلة إلى سدّة قيادة الجيش اللّبنانيّ.بزوز اسم هيكلبرز اسم هيكل (مواليد 1969 - بيروت) منذ أن شغل منصب مدير العمليّات في الجيش اللبناني. يصفه رفاق له بأنه "عسكريًّ بحت، ذكي، وشخصيّتة صلبة". ينحدر هيكل من بلدة عقتنيت في قضاء صيدا جنوب لبنان، وقد تدرّج في مناصب عدّة من قيادته لفصيل عسكريّ، وصولًا إلى قيادة لواء، ثم منطقة جنوب الليطاني وإدارة العمليّات في الجيش.
التحق هيكل بالجيش عام 1990، وتخرّج ملازمًا عام 1994. بعدها تدرّج في الرّتب والمناصب تباعًا، وراكم خبراتٍ في الشؤون العسكريّة والأمنيّة، انعكست على مسيرته القياديّة الأخيرة. كما نال شهاداتٍ أكاديميّة وعسكريّة متخصّصة؛ منها إجازة في العلوم العسكريّة و"دبلوما تنفيذيّة" في الدراسات الإستراتيجيّة والدفاعيّة.تحدّيات المرحلةلم يأتِ تعيين هيكل بمعزلٍ عن ظروف دقيقة يمرّ بها لبنان على كافة الصعد. وتنتظر القائد الجديد للجيش مهمّتان مركزيّتان: أوّلًا، تنفيذ بنود اتّفاق وقف إطلاق النار المبرم مع الجانب الإسرائيلي في 27 تشرين الثاني الماضي، والذي يقضي بسحب كافّة الأسلحة من الجنوب وتفكيك أيّ مواقع لفصائل مسلّحة، وفي مقدّمها حزب الله. وثانيًا، الحفاظ على الاستقرار الأمني في ظلّ الأوضاع السياسيّة والمعيشيّة الصعبة، لا سيّما بعد تراجع قيمة العملة المحليّة واهتزاز رواتب العسكريّين.
وبالإضافة إلى ذلك، تتصدّر أولويّات هيكل مسألة تحسين أوضاع الجيش الداخليّة، خصوصًا على مستوى الرواتب والإمكانات اللوجستيّة، بعدما تراجعت قدرة العسكريّين على تحمّل الأعباء المعيشيّة خلال السنوات الخمس الفائتة.
في حديثه إلى "المدن" يُشير مصدر عسكريّ رفيع المستوى، إلى أن إنّ العماد هيكل يملك السّمات الأساسيّة لقائدٍ عسكريٍّ قادرٍ على التعامل مع هذه المرحلة الدقيقة:"سمعته عسكريّة وأداؤه عسكريٌّ بامتياز، ويمتلك رؤيةً واضحةً لكيفيّة النهوض بالمؤسّسة وتجهيزها بالعتاد المناسب والدّفاع عن مطالبها الأساسيّة، في إطار قرارات السلطة السياسيّة". ويؤكّد المصدر نفسه أنّ الخِبرة الّتي حازها هيكل من خلال المواقع التي شغلها، ستشكّل مرتكزًا لعمله في توجيه الجيش نحو تعزيز الأمن الداخليّ، وضبط الحدود اللبنانيّة - السوريّة، وتنفيذ الالتزامات المنوطة بالمؤسّسة حيال الاتفاقات الدوليّة والإقليميّة".رهانٌ على تعاونٍ سياسيّيرى مراقبون أنّ نجاح القائد الجديد في ضبط المؤسّسة العسكريّة والدفاع عن حقوق عناصرها وضبّاطها لا يمكن أن يتحقّق من دون دعمٍ واضحٍ من جانب السلطة السياسيّة. فالمؤسّسة في أمسّ الحاجة اليوم إلى موازنةٍ كافيةٍ تؤمّن الرواتب والمعدّات والتجهيزات، وتمنع هجرة الطاقات العسكريّة الشابة. في هذا السياق، يقول المصدر الأمنيّ: "ثمّة رهانات كبيرة على أن تتيح التعيينات الجديدة فرصًا لإحداث انفراجٍ في وضع الجيش، واستعادة الألوية التي تكبّدت صعوبات جمّة خلال الأعوام الماضية".تُجمع الأوساط العسكريّة على أنّ العماد رودولف هيكل يمثّل فرصةً لتجديد اندفاعة الجيش اللبناني في مرحلةٍ بالغة الدقّة. والمطلوب اليوم هو أن يُعيد الهيبة للمؤسّسة عبر الاهتمام بشؤون الجنود وتأمين حقوقهم، والسعي إلى التحديث والتطوير بما يعزّز دور الجيش كضامنٍ للأمن والسيادة".والحال، أنّه قد لا تكون الطريق معبّدةً أمام القائد الجديد، لكنّ إنجازاته السّابقة وسجله العسكريّ يوحيان بأنّ "رجل المرحلة" الذي قد يقود الجيش نحو إعادة تنظيمٍ داخليّ، ويثبّت مكانته في معادلات الداخل اللبناني والإقليم. ورغم تحديات الواقع، فإنّ الإجماع حول شخصه في مجلس الوزراء والمصادر العسكريّة يعكس أملًا في أن يكون جيش لبنان مستعدًّا للانتقال إلى فصلٍ جديدٍ من الثبات والاستقرار.