في شهر آب من العام الماضي، قبل اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، نشرنا في "المدن" مقالاً حول ملفّ سد المسيلحة والملاحقات القضائية التي بدأت فيه، بعنوان "ختم سد المسيلحة بالشمع الأحمر: المشروع الاستراتيجي مزرعة دجاج!"، واليوم نستكمل متابعة هذا الملف الهام الذي يُظهر كيف كانت تضيع أموال اللبنانيين في مشاريع لا تُبصر النور.
في بداية عهد جديد يُنتظر منه الكثير لناحية محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، يقع سدّ المسيلحة على رأس قائمة المشاريع التي شكلت فضيحة في السنوات الأخيرة، وفي المقال الأول تطرقنا إلى واقع السد المزري وكيف تحول إلى مرزعة "للدجاج"، والخطوات القضائية الأولى بسياق المتابعة من قبل قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار بعد انتقال القضية إليها من النيابة العامة المالية.

مصادرة الحواسيب ومقارنة المعلومات
خلال التحقيقات الأولية التي أجريت تبيّن وجود علاقة لشركتين، إيطالية تدعى"maltauro"، وفرنسية تدعى "coyne et bellier"، بالإضافة إلى العلاقة المباشرة لشركتين لبنانيتين، هما شركة "باتكو"، وشركة "libanconsult" أي الشركة اللبنانية الإستشارية، ومع تقدم التحقيقات اليوم تبين بحسب مصادر متابعة أن الشركة الإيطالية هي الشركة التي يُفترض بها تنفيذ المشروع، ولكنها أعطت عقد مقاولة "بالباطن" لشركة "باتكو"، أما الشركة الفرنسية فهي الشركة الإستشارية للمشروع، وأيضاً أعطت عقداً إستشارياً للشركة اللبنانية الإستشارية.
لم تجد القاضية نصار تعاوناً سريعاً من قبل القيمين على المشروع من شركات ووزارة طاقة. وتُشير المصادر إلى أن وزير الطاقة وليد فياض، وبعد سبعة أشهر من المماطلة، وقبل خروجه من وزارة الطاقة، أرسل للقضاء الملفات التي طلبها والمتعلقة بمشروع سد المسيلحة والتي يُفترض أن تتضمن تفاصيل كل من عمل فيه ومن كان استشارياً فيه، وبالتسلسل الزمني الكامل، مع دفتر الشروط الأساسي وكل تفاصيل مراحل العمل الذي امتد على مدار سنوات. واليوم تجري المقارنة بين هذه الملفات، وبين ما وُجد من معلومات وداتا داخل الحواسيب التي صادرها القضاء من مكاتب الشركات المتروكة والمهملة في موقع السد، بعد انتهاء مرحلة الدفوع الشكلية منذ فترة قصيرة.
وتكشف المصادر أن الداتا المجمّعة من الحواسيب كانت كثيرة وهامة، ومنها تم الوصول إلى حقيقة وجود الشركات الأربعة، الأجنبية واللبنانية، علماً أن القاضية نصار طلبت من المعنيين بالمشروع الحصول على معطيات حول الشركة الإيطالية والشركة الفرنسية ولم تلق إجابات كاملة. وأظهرت المعلومات داخل الحواسيب المصادرة أن الشركتين اتّخذتا مقرات إقامة في لبنان في مكاتب شركتي "باتكو" و"الشركة اللبنانية الإستشارية"، واليوم ستُستكمل الإجراءات القضائية بناء على المعطيات الجديدة.

وزراء الطاقة أمام القضاء
وتُشير المصادر المتابعة إلى أن كلفة السدّ بحسب المعلومات المحصّلة من الحواسيب تصل إلى 65 مليون دولار وهو رقم ضخم، مسدّد منها حوالي 44 مليون دولار، والنتيجة معروفة بأن السد غير صالح، لافتة النظر إلى أن الشركات المنفذة طالبت أمام مجلس شورى الدولة بالحصول على باقي الأموال على اعتبار أن العمل بالسد انتهى.
وتكشف المصادر أن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاق المهمة الهندسية التي ستدرس مشروع السد، مترافقة مع التحقيق حول "كلفة السد، وجهة الأموال المدفوعة، الموقع الجغرافي للسد في أرض كلسية وكيفية اتخاذ قرار بشأن تنفيذ سد في هذه المنطقة الجغرافية"، مشيرة إلى أن التحقيق سينطلق مع وزراء الطاقة الذين تعاقبوا على الوزارة منذ لحظة بدء العمل بالسد حتى تاريخ إغلاقه بالشمع الأحمر بصفة شهود، والبداية ستكون مع وزير الطاقة السابق وليد فياض الذي حُدد يوم الثلاثاء المقبل موعداً لجلسة الإستماع إليه بصفة شاهد.