بعد عامٍ من التحقيقات المُكثّفة الّتي أجراها مكتب المباحث الجنائيّة المركزيّة، تمّ أخيرًا القبض على عبد اللطيف آمون، الهارب من العدالة، والذي استعان بابن شقيقه لتنفيذ الحكم القضائيّ نيابة عنه في السجون اللبنانيّة، فيما كان ينشط في تجارة الكابتغون بين لبنان وسوريا منذ العام 2013.
تنفيذ الحكم!في العام 2015، دخل أيمن آمون (46 عامًا)، إلى مكتب المخدرات في البقاع، بهويةٍ مُزيّفة وسلّم نفسه. ظنّ المكتب أن إنجازًا تحقق في الوصول إلى واحدٍ من أكبر رؤوس الاتجار بالمخدرات في البقاع. ولكن فرحة الإنجاز الّتي طغت يومها، حالت على ما يبدو دون استكمال التدابير والإجراءات البديهيّة في التحقيقات، وأهمها، التأكد من هُوية الشخص، ومن أن حامل الهوية هو نفسه الصادرة بحقه الأحكام القضائية. فحُوّل للقضاء، وصدر قرار بسجنه لمدة ست سنوات تنفيذًا للحكم الصادر بحق عبد اللطيف آمون.
وكانت النتيجة أن ينفذ أيمن آمون حكماً، بالسجن لست سنوات بهويةٍ مستعارة، من دون أن يصار إلى انكشاف أمره. وفي ضوء هذه الفضيحة الأمنيّة والقضائيّة، تمّ القبض على المتهم الحقيقيّ، وجرى تحويله إلى القضاء لقضاء محكوميّةٍ حقيقيّة هذه المرة.من هو عبد اللطيف آمون؟هو ابن بلدة عرسال، أحد أكبر وأهم مصنعي الكبتاغون في الجرود، والملاحق بتهمة تصنيع وترويج وتوريد الكبتاغون من لبنان إلى سوريا، ومن سوريا إلى بلدان أخرى.
تعود تفاصيل هذه القضية إلى العام 2015، حين تمّ الادعاء على آمون وحددت جلسات استجوابه، وصدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية، وكان الحكم بسجنه لمدة ست سنوات. وبعدها وبصورةٍ غريبة، دخل أيمن السجن بحجة أنه عبد اللطيف آمون لتنفيذ حكم السجن.تزوير وانتحال صفة!في العام 2016، يبلّغ المدعي العام التمييزي السابق، سمير حمود عن شبهة عملية تزوير في البيانات الشخصية لأحد المساجين، وأن السجين الحقيقي هو أيمن آمون، وفتحت تحقيقات في هذا الأمر، لكنها وصلت إلى طريق مسدود. واستمر توقيف أيمن داخل السجن حتى أنهى فترة محكوميته.
في العام 2024، تصل معلومة للمباحث الجنائية المركزية، برئاسة العميد نقولا سعد، بأن عبد اللطيف آمون لم يكن مسجونًا بل كان يتابع تجارة الكبتاغون في عرسال طيلة هذه السنوات، وأن هناك شخصاً آخر هو من دخل إلى السجن عوضًا عنه.التوسع بالتحقيقاتوهنا تحركت المباحث الجنائية المركزية، وفتحت تحقيقات واسعة لمدة أشهر، جرى فيها التواصل مع مكتب التحريات، وفرع السجون في قيادة الدرك، والنيابة العامة الاستئنافية في البقاع، ومكتب المخدرات في البقاع، وتم التدقيق في كل البيانات، وتبيّن أن الذي نفذ حكم السجن في العام 2016 ليس الشخص نفسه الذي صدر بحقه الحكم. وبعدها، تمكنت القوة الخاصة بالشرطة القضائية وفي عملية نوعية، من توقيف عبد اللطيف آمون في منطقة عرسال، وأخضع للتحقيق.
تنصّل آمون من التهم الملاحق بموجبها، بحجة أن والده "أنجب من سيدة سورية طفلًا منذ سنوات طويلة، وأطلقا عليه اسم "عبد اللطيف"، وأن شقيقه الموجود في سوريا الذي يحمل الاسم نفسه، يتاجر ويصنّع الكبتاغون وليس هو". ولدى التدقيق في أسماء أفراد هذه العائلة وسجلاتهم، تبين أن لا شقيق يدعى عبد اللطيف آمون في سوريا. وأنه هو نفسه المُلاحق بصناعة الكبتاغون.
وحسب معلومات "المدن"، فإن أيمن آمون استخدم أوراقًا مزورة، ونفذ الحكم عن عمه بعد التنسيق بينهما، بهدف مساعدة عمه على متابعة وإدارة تجارة الكبتاغون في عرسال، وأيضًا تنظيف سجله العدليّ، وأنه بسبب هذه التجارة تمكن آمون الذي صرّح أمام القضاء اللبناني أنه يعمل في الزراعة، من شراء عقار بلغت قيمته 800 ألف دولار أميركي في بلدة القاع. ومع توسع التحقيقات، بدأ التفتيش عن أيمن آمون لمعاودة التحقيق معه مرة أخرى، وأظهرت التحقيقات أنه هرب من الأراضي اللبنانيّة إلى سوريا بعد تنفيذ الحكم، وتردد أنه التحق لاحقاً بهيئة تحرير الشام في سوريا.
وفي اتصال مع "المدن" أوضح وكيل عبد اللطيف آمون القانونيّ المحامي حسين ناصر الدين، أن "هناك محاكمة سابقة في هذا الملف، وتوقيف عبد اللطيف آمون اليوم هو أمر تعسفيّ، لأنه حضر جلسات التحقيقات في زحلة، وهو قيد المحاكمة وقد نفذ الحكم بست سنوات من السجن، ولا يعرف الأسباب التي دفعت إلى تحريك هذا الملف في الوقت الحاليّ، أي بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على القضية". وتابع: "يجري البحث حالياً عن أيمن آمون، ولا شك أن الاستماع إليه من شأنه التأثير إيجابًا على هذه القضية".
هذه القضية، وبكل ما يُحيط بها من ملابسات، لا شكّ أنّها تُمثّل فضيحة. إذ لم تمارس بديهيات التحقيق للتأكد من هوية آمون الأساسيّ.