أكملت عملية الاحتلال الإسرائيلي العسكرية على شمال الضفة الغربية "السور الحديدي"، شهرها الثاني، حيث بدأت في جنين ثم طولكرم وطوباس، مخلفة أكثر من 50 شهيداً وعدداً كبيراً من المعتقلين، إضافة إلى دمار هائل على نحو غيّر معالم المخيمات المستهدَفة، وسط إجبار أكثر من 45 ألف مواطن فلسطيني على النزوح.
ففي جنين ومخيمها، تتواصل عملية الاحتلال لليوم ال57، وسط الدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية عبر حاجز الجلمة شمال المدينة، فيما تدخل العملية العسكرية في مخيم طولكرم يومها الـ51، ومخيم نور شمس المجاور يومها الـ38.
مخيم جنين
وبتفصيل الأرقام لكل منطقة، فإن حصيلة العدوان على جنين، والذي أطلقه جيش الاحتلال في 21 كانون الثاني/يناير الماضي، قد بلغ 34 شهيداً وقرابة الـ150 جريحاً، إضافة إلى نحو 400 معتقل. وأكدت اللجنة الإعلامية في مخيم جنين، أنه نتج عن العدوان الإسرائيلي تضرر 512 منزلا ومنشأة، إما بشكل كامل أو جزئي، نتيجة عمليات التجريف والتفجير والحرق للمنازل والمباني. كما ارتفع عدد النازحين من المخيم إلى 21 ألف مواطن، أي بواقع 90 في المئة من سكان المخيم، الذين تعرضوا لنزوح قسري تحت النار.
طولكرم
وفي طولكرم، أسفرت عملية الاحتلال عن استشهاد 13 فلسطينياً، بينهم طفل وامرأتان إحداهما حامل في الشهر الثامن، بالإضافة إلى إصابة واعتقال العشرات، ونزوح قسري لأكثر من 12 ألف شخص من مخيم نور شمس، و12 ألفا آخرين من مخيم طولكرم.
وقالت مصادر محلية في طولكرم وجنين، لـ"المدن"، إن جيش الاحتلال يسير في عمليته العسكرية بوتيرة متفاوتة نسبياً، بحيث تشتد عمليات التجريف والتدمير للمنازل والبنى التحتية في أيام معينة، وتخف في أخرى، وكذلك الحال بالنسبة لنطاقها الجغرافي.
ووفق المصادر، فإن ما يقوم به جيش الاحتلال، بإمكانه إنجازه في أسبوع واحد، ولكنه ينفذ عملية التدمير الهادفة إلى تغيير معالم المخيمات في شمال الضفة، بوتيرة بطيئة؛ بهدف كسب مزيد من الوقت، ورفع فاتورة معاناة الفلسطينيين، في مسعىً منه لمنع تشكيل حاضنة للمقاومة من جديد.
تغيير سكاني.. وبنيوي؟
وأكدت مصادر "المدن"، أنه بعد مرور شهرين على عملية "السور الحديدي"، فإن الاحتلال يتحكم بمفاصل طولكرم وجنين ومخيماتهما، ولم تعد هناك اشتباكات، موضحة أن الاحتلال يهدف من وراء عمليته إلى إحداث تغيير ديمغرافي بتركيبة السكان، وليس فقط تغيير شكل المخيمات. فمثلاً، أصبح ما بين 3 إلى 4 آلاف نازح من مخيم جنين بلا مأوى نتيجة هدم منازلهم، وهو ما يعكس رغبة الاحتلال بخلق نكبة جديدة، وبالتالي واقع جديد لا تكون فيه إمكانية لعودة كثير من السكان إلى المخيمات بعد الانسحاب منها نهاية العام، وهو الموعد المفترض الذي حدده وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس للعملية العسكرية في شمال الضفة.
الهدم أكبر من المعلن
والحال أن الاحتلال ينفذ مخططه بتغيير معالم المخيمات، تحت عنوان انتهازي أمني، ألا وهو "شق طرق وتوسيعها لأغراض عسكرية"، وسط تلاعبه بالأرقام المعلنة بشأن عدد المباني والمنازل المنوي هدمها داخل المخيمات، فمثلاً، تحدث جيش الاحتلال عن نيته تدمير 11 مبنىً في مخيم نور شمس، لكنه دمر أكثر من 80 منزلاً وبناية؛ بحجة شق طرق.
وأوضحت مصادر من طولكرم لـ"المدن"، أن الشارع المار من منتصف مخيم نور شمس حتى حارة المنشية، كان عرضه قبل العملية الإسرائيلية يُقدر بنحو مترين ونصف، لكنه أصبح بعد تجريف وهدم الاحتلال للمنازل والأبنية، ما بين 25 إلى 30 متراً.
وفي مخيم طولكرم، أعلن الاحتلال في بداية عمليته أنه ينوي هدم 16 منزلاً وبناية، لكنه هدم واقعياً أكثر من 100 منزل.
ولعلّ هذا التفاوت بين أرقام الاحتلال المعلنة وتلك الحقيقية، يرتبط بمحاولة إسرائيل تقديم صورة تضليلية للعالم، ثم تبرير التدمير الواسع للمخيمات كـ"ضرورة أمنية"، بما يحقق ثلاثة أهداف رئيسية: تفريغ فعلي للمخيمات، تغيير هويتها وتقليل سكانها لاحقاً.
لكن التحدي بمنظور النازحين، هو تثبيت الاحتلال الطرقات التي قام بتوسيعها كواقع ثابت لا يمكن تغييره، وهو ما يعني صعوبة إعادة إعمار هذه المخيمات، وتكريسها من قبل الاحتلال مجرد "أحياء" تابعة للمدن الرئيسية، ونزع صفة "المخيم" عنها، ضمن محاولاته إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وضع إنساني يزداد خطورة
وأوضح الصحافي خالد بدير من طولكرم، لـ"المدن"، أن الاحتلال ينفذ حرباً اقتصادية بموازاة عمليته العسكرية، إذ أن هناك ضغطاً اجتماعياً كبيراً على النازحين والسكان، والأوضاع الإنسانية تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، على وقع أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، ورواتب حكومية غير كاملة، عدا عن اضطرار نحو 3 آلاف منشأة تجارية إلى إغلاق أبوابها في طولكرم، منذ منتصف عام 2022، وقرابة 8 آلاف أخرى في جنين منذ أواخر عام 2021، جراء اجتياحات الاحتلال المستمرة، خصوصاً عملية "السور الحديدي" غير المسبوقة من حيث الحدة والتدمير.
ووفق بدير، فإن هذا الواقع الإنساني المعقد يتفاقم على وقع نزوح أعداد كبير من سكان مخيمات شمال الضفة، مبيناً أن عمليات الإغاثة التي تقدمها السلطة الفلسطينية ووكالة "الأونروا" و"المطبخ العالمي"، إضافة إلى مبادرات مجتمعية، فإنها كلها غير كافية وليست قابلة للاستمرارية، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن وصول الأوضاع الإنسانية للنازحين إلى مرحلة صعبة جداً بعد شهر رمضان، بسبب عدم القدرة على استمرارية الإغاثة في ظل احتياجاتهم الكبيرة.
الذروة.. لم تحِن بعد!
في غضون ذلك، كثّف الاحتلال عمليات الاعتقال في عموم الضفة الغربية، خلال الأسبوع الأخير، إلى جانب إمعانه في تعقيد حياة الفلسطينيين وتنقلهم بين مدن وبلدات الضفة، حيث أن التنقل بالمركبات يستغرق جهداً ووقتاً كبيرين.
بدورها، نسبت وسائل إعلام عبرية إلى مسؤولين أمنيين إسرائيليين، تقديرات تشير إلى أن ذروة المواجهة الأكبر في الضفة، لم تحِن بعد، في ظل مزاعم أمنية بإمكانية تفجر الأوضاع الميدانية وتصاعدها أكثر في المرحلة المقبلة.