في منطقة القبة – طرابلس وعلى طريق المعهد الفني، يقع إشكال بين شخصين بسبب خلاف على أفضلية مرور. بعد سجالٍ وصراخ في وسط الطريق لأكثر من دقيقة، ترجّل السائقان وأشهر المدعو ب.ض. المسدس التركي وأطلق النار على ط.س. وأصابه برجله وفرّ وكأنّ شيئًا لم يكن.وفي محلة السرايا العتيقة يتطوّر إشكال إلى اطلاق شخص يستقل دراجة نارية عدة أعيرة نارية في الهواء ويلوذ بالفرار.
إشكالات كثيرة مماثلة تحصل يومياً في طرابلس. والإشكالان المذكوران آنفاً، حصلا في شهر رمضان المبارك، وهما ليسا إلا عيّنة عمّا يجري في مدينة الفيحاءمن فوضى واستسهال تجاوز القوانين والإنتشار الهستيري للسلاح من مسدسات وبنادق بين أيدي المواطنين.
على المقلب الآخر، يرى الطرابلسيون الممتعضون من هذا الواقع السيء، أن مدينتهم "يراد لها أن تكون ساحة لتبادل الرسائل المحلية والإقليمية، وإن ما يحصل ليس غائباً عن أعين الدولة بأجهزتها الأمنية، كما أنها ليست بالأمر البريء، وتكاد تُخفي خلفها الكثير من علامات الإستفهام، حول الغاية الحقيقية من تعميم الفوضى في طرابلس بهذا الشكل". ولا تُخفي الأوساط الطرابلسية قلقها من خطورة الأسلحة وانتشارها، لكنّ القلق من انتشار الأسلحة التركية تحديداً أكبر، لجهة أن هذه الأسلحة منخفضة الثمن كثيراً، بالقياس مع الأسلحة الأخرى، ولجهة سهولة الحصول عليها، لتوفّرها في أيدي كثيرين، مواطنين وتجّار، ولأغراض الحمل والإقتناء، كما للتجارة أيضًا.مسداسات تركية لذوي الدخل المحدود!أحمد (25 سنة) عامل ديليفري لدى أحد محلات بيع الشاورما في طرابلس، لتوصيل الطلبيات في طرابلس وضواحيها وصولاً إلى الكورة. يهاب أحمد عمليات السلب والتشليح لأن غالبية عمله في فترات الليل، وقد تعرّض لعملية سلب دراجته النارية ومبلغ من المال، قبل نحو 6 أشهر، عندما كان على طريق فرعي في منطقة أبي سمراء. فكّر في اقتناء مسدس للحماية الشخصية. ويقول في معرض سرده لدوافع حمله للسلاح:"لست من هواة الأسلحة، ولم أفكر يوما بحمله. حتى إن راتبي الشهري 300 دولار لا يسمح لي بشرائه. طرحت الفكرة على صديق لي له باع بالمسدسات ويحمل واحداً من نوع 14 وباع آخر من نوع 9 ملم بـ 800 دولار. وأبلغته أن ميزانيتي لا تسمح بشراء مسدد بثمن مرتفع، فنصحني بالتركي، لأن سعره رخيص جداً ولا يتعدّى 100 دولار. اقتنعت بالفكرة، فأجرى اتصالاً بشخص من البدّاوي يدعى وليد، وطلب منه مسدسًا. وبالفعل تأمّن المسدس إلى المقهى الذي كنا نتسامر فيه في باب الرمل بغضون ساعتين".للمسدسات التركية في طرابلس حكايتها. قد لا تجد سائق دراجة نارية، أو توك توك أو صاحب كشك قهوة، إلا ويحمل هذا النوع من المسدسات التي تسمى "ريتاي". وتباع بسعر لا يتجاوز الـ 150 دولاراً لأفضل نوعية منها. وللتعبير عن سهولة تأمين هذه المسدسات في طرابلس يقول أحمد العبارة التي ينقلها عن لسان صديقه: "مجرد ما تفتح تمك بدك مسدس تركي دغري بيحضر".التهريب عبر المرفأ"المدن" أجرت استقصاءات حول كيفية وصول هذه الأسلحة إلى المدينة وكيف تباع للمواطنين. وكشفت مصادر مطلعة أن دخول الأسلحة التركية إلى طرابلس وضواحيها يتم عبر المرفأ وعبر الحدود البرية مع سوريا، من خلال مهرّبين.وتضيف المصادر إن بعض محلات بيع أسلحة الصيد وذخيرتها في طرابلس تنشط في هذه التجارة، ومنها شركة (ال...). فهي ما زالت تتاجر بالأسلحة التركية بالرغم من المداهمات السابقة التي طالت الشركة وتوقيف صاحبها.وتشير المصادر عينها إلى "وجود علاقات بين تاجر سوري في تركيا وتاجرين من طربلس، من آل بيروتي وآل نحاس. ويعمل التاجر التركي على تأمين هذه الأسلحة بشكل دائم في السوق الطرابلسي". وهنا تشرح مصادر على صلة ببعض التجّار، أن المسدس التركي الذي يباع بين 100 و200 دولار أمريكي في طرابلس، لا يقف سعره على تاجر الجملة بأكثر من 50 دولاراً من المصدر. يضاف إليها تكاليف النقل.القوى الأمنية تتعقب لدى حدوث أي إشكال يستخدم فيه السلاح، تفتح القوى الأمنية تحقيقات. وتقول مصادر أمنية لـ "المدن" إنّ الأجهزة "مستمرة بتعقّب مروّجي الأسلحة وتجّارها وكل من يطلق النار، وتحقق نتائج نوعية، بالرغم من ضعف إمكاناتها وأوضاعها. ففي شهر شباط الماضي فقط، أوقف تاجري أسلحة وذخائر والقي القبض على العشرات من مطلقي النار بالإشكالات، وأحيلوا إلى القضاء المختص". بالمقابل، تلفت أوساط طرابلسية إلى أنّ الأهم القيام بحملة شاملة لسحب السلاح من أيدي المواطنين، وتوقيف إصدار التراخيص التي تُعطى بالجملة والمفرّق من مديرية المخابرات ووزارة الدفاع.السلاح الفردي في طرابلس وضواحيها متواجد في كل بيت تقريبًا. فالتنظيمات التي مرت على طرابلس والتي شاركت بأحداث جبل محسن وباب التبانة، ساهمت في انتشار ظاهرة التسلّح. والجديد في الأمر أن الأشهر الأخيرة شهدت دخول كميات كبيرة من الأسلحة (بنادق ومسدسات) من سوريا منشأها روسيا والصين، ولا سيما لحظة إعلان سقوط نظام بشار الأسد. ووفق المتداول في الكوليس الطرابلسية فإن المئات من عناصر الجيش وقوى الأمن في النظام السوري السابق باعوا أسلحتهم بمبالغ زهيدة تترواح بين 20 و30 دولاراً. وجرى تهريب قسم كبير منها إلى لبنان، عبر مناطق في وادي خالد. ثم جرى تسويقها في مختلف المناطق الشمالية ولا سيما في طرابلس وبأسعار زهيدة، تراوحت بين 200 دولار للكلاشنكوف و300 دولار للمسدس. أي أنها بيعت بأقل من نصف سعرها الحقيقي. وتكشف المصادر أن أشخاصاً لبنانيين وسوريين نشطوا في ترويج هذه الأسلحة، ومنهم أبو علي.ال. من وادي خالد. والأخير هو أبرز الناشطين بتأمين هذه الأسلحة، التي بيعت في العديد من القرى والبلدات والمناطق.
لكن مصادر أمنية تؤكد أنّ "عملية تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، تراجعت بالكامل. وكان آخر فصولها تسجيل اشتباك بين دورية من الجيش اللبناني ومهرّبين في محلة العويشات بوادي خالد قبل نحو 3 أيام، أسفرت عن تراجع المهرّبين وإصابة عدد من أفراد المجموعة".