“الأراكيل على مد عينك والنظر”، كيفما تحرّكت يقع بصرك على عشرات منها يدخنها أصحابها، في الشوارع، على الأرصفة، في المقاهي وحتى داخل مراكز النزوح. ظاهرة تستحق التوقف عندها، ليس لأنها لم تكن موجودة من قبل، بل لإزدياد إنتشارها بصورة لافتة خصوصاً في الحرب.


يقضي المدخن الواحد ما لا يقل عن ساعة وهو ينفث دخان “أركيلته” يميناً ويساراً، فوق وتحت حسب سير الحديث أو بلا حديث حتى، يكفي أن تكون موجوداً داخل حلقة “الأراكيل” أي محسوباً على القعدة.


لا موعد محدداً لـ “الأركيلة”، إلاّ أنها تعمر في السهرة وأثناء متابعة الأخبار ليلاً، ويتجول شبان “الدليفري” بعشرات مناقل الفحم في الشوارع والأزقة تلبية لطلب أصحابها. وتخرج مجموعات من أعمار مختلفة مدعّمة بـ”الأراكيل” بحثاً عن الزاوية المناسبة ولو على قارعة الطريق لتقضي سهرتها “التلفون بإيد، ونربيش الأركيلة بإيد”.


يصف صاحب مقهى “كعكاية”، في شارع الحمرا، “الأركيلة” بالمزاج، فهي اللحظات التي يختار فيها المرء تعديل مزاجه والانقطاع عما حوله. ويقول لموقع “لبنان الكبير”: “ما لا يقل عن 70 أركيلة يطلبها الزبائن في السهرة من ضمن الطلبيات، إلاّ أن التركيز الأساسي هو على الأراكيل، بإعتبار أنها عمود الشغل، ما في طاولة ما بتنزّل على القليلة أركيلة واحدة”. ويشير إلى أن “الطلب على الأراكيل ارتفع، خصوصاً أن معظم الناس أصبح بلا عمل”.


ويتراوح سعر “الأركيلة” بحسب صاحب المقهى بين 4 و8 دولارات في الحمرا، وهذا يختلف بحسب نوع المعسل والفحم، والمكان، مؤكداً أنه على الرغم من ارتفاع أسعار المعسل والأراكيل “الناس بعدها عم تطلب”. كما نقل إليه التاجر الذي يتعامل معه، أن الناس تهافتت منذ بداية التصعيد العسكري الذي تحوّل إلى حرب، على تموين كميات كبيرة من المعسل والفحم “حتى ما ينقطعوا”. ويوضح أن مشهد الناس و”الأراكيل” في المقهى يذكره بحرب تموز عام 2006، “مع فرق بسيط، هو أن الناس أصبحت تتابع الأخبار عبر الهاتف الخلوي”.


يستيقظ حسين من النوم ويشعل منقل الفحم ليبدأ نهاره بنفس “أركيلة” تفاحتين، ومن ثم ينتقل مع الشباب إلى المقهى المجاور ليدخن نفساً آخر، وهكذا دواليك. ويشير لموقع “لبنان الكبير”، إلى أنه يدخن ما لا يقل عن “خمسة رؤوس” في اليوم، سائلاً “كيف أقضي نهاري وقد أصبحت عاطلاً عن العمل بسبب الحرب والنزوح؟”. ويقول: “نّفش خلقنا بالأركيلة حتى الله يفرجها”.


وعلى المقلب الآخر، توضح معالجة نفسية لموقع “لبنان الكبير”، علاقة الناس مع “الأركيلة” في الحرب، قائلة: “النيكوتين يخفف من القلق الذي أصبح يعاني منه معظم الشعب اللبناني في الوقت الحالي نتيجة الخوف والتوتر من الحرب، ومن يعاني أساساً من القلق يصبح جسده بحاجة إلى كمية نيكوتين أكثر، فهي مادة تسبب الإدمان أيضاً physical dependence يعني مع الوقت يريد الشخص جرعة أكبر”.


وتضيف: “هناك عامل التسلية وتضييع الوقت خصوصاً أن الغالبية لا تعمل والأركيلة تحتاج الى قعدة طويلة، يعني كلما كان هناك وقت فراغ يريد الشخص تضييع الوقت والتسلية، واذا كان الكل عم يأركل بيشجعوا بعض”.