عماد مرمل-

إذا كان الأميركيون قد أدلوا أمس بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لاختيار كامالا هاريس او دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة خلال السنوات الاربع المقبلة، فإنّ «الجمهور» في لبنان شارك من «المدرجات» على طريقته في «الثلاثاء الكبير»، وأدلى بـ»تقديراته» المتفاوتة التي أعطى بعضها الأرجحية لهاريس والبعض الآخر لمنافسها ترامب.

إذا كان اللبنانيون باتوا «يدمنون» الانتظار في اعتبار أنّ الحلول والتسويات لمعظم مشكلاتهم وأزماتهم هي مستوردة من الخارج بفعل عجز دولتهم وقصورها، فإنّ الانتظار هذه المرّة يبدو أشد وطأة، بعدما ساد انطباع بأنّ مصير الحرب الإسرائيلية على لبنان مرتبط بهوية الرئيس الأميركي المقبل، وبأنّ فرصة التوصل إلى وقف لإطلاق النار قد تتراجع او تتقدّم تبعاً لفوز ترامب او هاريس، الأمر الذي دفع اللبنانيين إلى متابعة مجريات الانتخابات الاميركية باهتمام كبير.

وبناءً على الاقتناع بأنّ صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة ستؤثر على صناديق الذخيرة في الحرب الإسرائيلية، يتمّ التداول في الأوساط السياسية بأكثر من سيناريو للاحتمالات الممكنة بعد 5 تشرين الثاني. إذ هناك رأي يعتبر أنّ فوز هاريس سيرفع أسهم إنهاء الحرب قريباً، انطلاقاً من فرضية أنّ المرشحة الديموقراطية ستضغط بجدّية على نتنياهو لإيقاف الحرب، بعدما استنفدت أغراضها ووقتها، وستدفع في اتجاه «حل الدولتين». «فيما ترامب كان قد صرّح بأنّ مساحة إسرائيل الحالية ضيّقة ويجب توسيعها، وبالتالي سيمنح نتنياهو ما يحتاجه ليستكمل حربه وسيدعمه لتنفيذ «المشروع المشترك» الرامي إلى تغيير خرائط الشرق الأوسط ومعادلاته، وهو هدف يلتقي مع مصالح واشنطن التي سعت اكثر من مرّة إلى فرض شرق أوسط جديد، وفق ما جرى حين حاول ترامب نفسه إعادة تفصيل المنطقة على قياس صفقة القرن». أما تأكيده أنّه سيعيد السلام إلى لبنان فمعناه الحقيقي، تبعاً لتفسير كارهيه، هو انّ الرجل سيتماهى مع مسعى نتنياهو للقضاء على قوة «حزب الله» وتجريده من سلاحه، وعندها يتحقق السلام حسب تعريف مرشح الحزب الجمهوري.

وفي المقابل، يوجد رأي لبناني آخر يلفت إلى انّه لا يمكن الوثوق بالديموقراطيين لأنّهم «خبثاء» وماكرون، إضافة إلى انّهم مجرّبون، وحصيلة التجارب تثبت انّهم كانوا وما زالوا اكثر الداعمين للكيان الإسرائيلي في حروبه، «في حين انّ ترامب بطبعه وطبيعته أكثر وضوحاً وصراحة، والتعامل معه أسهل وهو يتعاطى السياسة كأنّها «بزنس» مع ما يعنيه ذلك من استعداده للمساومة وعقد الصفقات حتى مع خصومه، وبالتالي سيكون هو الوحيد القادر على لجم نتنياهو إذا اقتضت مصلحته ذلك».

وبين هاتين القراءتين، هناك مقاربة أخرى لدى أوساط قريبة من «حزب الله»، تعتبر انّه لا يجب ترقّب نتائج الانتخابات الاميركية لمعرفة مسار المرحلة المقبلة، ولا يصح الاتكال على ترامب او هاريس للوصول إلى وقف لإطلاق النار، بل وحده الميدان سيرسم صورة الأيام المقبلة، وسيفرض على الإسرائيليين والأميركيين وقف الحرب، سواء آلت الرئاسة إلى ترامب أم هاريس. ولذا ينبغي الإستناد اليه والتعويل عليه حصراً لاستنزاف العدو الإسرائيلي وتضييق الخيارات أمامه وأمام حليفته واشنطن.

وتشدّد تلك الاوساط على أنّ «صوت» الرصاص والصواريخ في مواجهة قوات الاحتلال هو أقوى من الأصوات التي صبّت في صناديق الاقتراع الأميركية، ومن شأنه ان يصنع الفارق، وان يدفع الولايات المتحدة عاجلاً ام آجلاً إلى التحرك الجدّي لإنهاء العدوان، كما حصل في حرب تموز 2006 حين فرضت مجريات المواجهة على واشنطن التدخّل لتحقيق وقف إطلاق النار، وخفض السقف من طموح الشرق الأوسط الجديد إلى القرار 1701.