لم تبدد بيانات مصلحة الأرصاد الجوية عن أمطار متفرقة مقبلة هواجس اللبنانيين وقلقهم الكبير على الانحباس المطري الحاصل راهنا، بالتزامن مع كم هائل من المحاذير العلمية التي تبثها تطبيقات ومنصات إعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي حول تداعيات المنظومة الجوية الراهنة على الامن المائي ـ الحياتي.

هل انتهى الشتاء وبتنا في الربيع؟ أم ان الخريف تمدد إلى «المربعانية»، آخذا في طريقه «مستقرضات الشتاء»؟ أم ان الشتاء الفعلي لم يبدأ بعد، على رغم الثلج الذي وصل باكرا في 18 تشرين الثاني الماضي، ونزول «الأبيض» (الثلج) إلى مرتفعات متوسطة؟ تلك هي الأسئلة التي تدور في أذهان اللبنانيين اليوم، ولا من يجيب.

عودة المزارعين إلى حقولهم مجددا أمر نادر جدا حصوله في الحياة الطبيعية، باعتبار الفترة الراهنة هي مرحلة توقف الأعمال الحقلية بالكامل. لكن مع هدوء الطبيعة حد الجفاف، أعطت هؤلاء فرصة كبيرة من اجل القيام بالأعمال المتاحة. وعادت مشاهد الآليات والمعدات الزراعية والحراثة في البساتين من جديد، وهي تقوم بحراثة التربة. وكذلك معدات إزالة الحشائش التي ساهمت في نموها حرارة الطقس المعتدلة.

مصدر في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي قال لـ «الأنباء»: «منظومة المنخفضات الجوية للأمطار لاتزال بعيدة نسبيا. وكمية المتساقطات التي ستعود في الفترة المقبلة، لن تستطيع تعويض ما فات من نقص في المخزون المائي، قياسا بالمعدلات العامة». وقدم في هذا المجال أمثلة عدة عن حجم تراجع المعدلات السنوية، والتي لاتزال بحدود ما بين 25 و33% في المناطق فقط، قياسا بالمعدل السنوي العام، وهي أكثر تراجعا عن موسم الشتاء الماضي.

الخلل الحاصل عدل كثيرا في ميزان الطبيعة وأربك المواطنين، لدرجة ان عددا من الاشجار بدأت تتفتح براعمها، خلافا للواقع الذي يبدأ عادة خلال شهر مارس، مثل اللوزيات وسواها. والعامل الأكثر إحراجا للمزارعين ان فترة «المربعانية» التي تبدأ في 20 تشرين الثاني لغاية 30 انون الأول، أي 40 يوما وهي الأقسى في الشتاء، لا يصح فيها جرح الاشجار منعا لأذيتها، بسبب البرد والصقيع والثلج والجليد. هذه الاشجار تحركت شرايينها قبل الموعد المحدد، ما بات يتوجب على المزارع البدء بتقليم الأغصان.

 
 

الصنوبر يتم تقليمه وقطاف موسم انتاجه السنوي اعتبارا من 20 كانون الثاني من كل سنة. وقد بدأ عدد من المهتمين بهذا القطاع العمل على أساس ان الطقس الحالي يسمح بتلك الخطوة، لكن الامر دونه مجازفة محفوفة ببعض المخاطر في حالة الصقيع المفاجئ الذي من الممكن ان يؤثر على الأشجار، بينما يبرر أصحاب تلك المواسم ان بيع الانتاج الباكر يأتي بالأسعار الأعلى. وبالنسبة إلى السنوات الاخيرة الماضية، ظهر ان الانتاج البلدي الموجود في الأسواق قبل اجتياح الصنوبر الأجنبي والخارجي لتلك الأسواق أعطى نتيجة أفضل، وبالتالي تراجعت الأسعار، وصولا إلى 50 دولارا للكيلوغرام الواحد من الصنوبر الأبيض البلدي.

المزارع «الجبلي» ذات العقد الثمانيني من العمر والعتيق في مواكبة الطبيعة وأحوالها نايف م.، قال لـ«الأنباء»: «هذه السنة تشبه إلى حد كبير سنوات كثيرة من «المحل» أتت علينا، لكن آخرها في شتاء العامين 2015 و2016، لجهة قلة الهطولات وشح المياه، انما لا يعني ذلك أننا دخلنا في مرحلة الجفاف والتصحر البالغتين، بل في سنة فيها قلة مطر وبالتالي الخير».

وأضاف «اعتدنا بحسب رزنامة الفصول السنوية ان تأتي كل 4 سنوات سنة «كبيسة»، يأتي الخير فيها قليلا ولا تنتج بما هو معتاد، كما لا تصح المواسم على النحو العادي، وينعكس ذلك حتى على المواشي وسوى ذلك. يجب عدم اليأس، وبحسب «البواحير» التي نجري عمليتها سنويا في التشارين”، حيث كل يوم يمثل شهرا، وتكون المؤشرات لذلك بحسب ذوبان الملح.. وقد ظهر هذا التراجع».

بحسب «بيانات النماذج البواحيرية» عند العم نايف، ان «شهر كانون الثاني سيشهد امطارا، ولكن مع تراجع في كمية المخزون المائي الذي سيؤثر على تفجر الينابيع على النحو المعتاد ايضا، كحال واقعنا في الجبل في الفترة المعروفة 20 كانون الثاني في كل سنة. والمثال على ذلك نبع الباروك. فيما الخلل في المواسم الثمرية سيكون ظاهرا للعيان مع تراجع الإنتاج، بحيث ستتأثر زهور الثمار بعد تفتحها جراء الصقيع وعناصر المتساقطات، لاسيما البرد».