صلاح سلام -

فرحة العودة إلى الجنوب بعد الإنسحاب الإحتلال الإسرائيلي، تُنغصها غصة التدمير الممنهج لعشرات القرى الحدودية، والقضاء على مقومات الحياة، لإعاقة عودة الأهالي إلى بلداتهم، وإعادة بناء أو ترميم منازلهم في فترة مقبولة.
ما قام به جيش العدو الإسرائيلي من تخريب وتدمير للمنازل والمدارس والمستشفيات والمرافق العامة في البلدات الجنوبية، خلال فترة وقف النار، يعتبر جريمة حرب موصوفة ضد الإنسانية، لأنها تتعارض مع قوانين الحرب الدولية، التي تحمي المدنيين وبيوتهم من الإعتداءات العسكرية، وتُحيّد المنشآت المدنية عن الأهداف العسكرية.
القرار الذي إتخذه الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه برّي ونواف سلام بالتوجه إلى مجلس الأمن لتقديم شكوى ضد الدولة الصهيونية، بسبب بقاء قواتها في خمسة مواقع لبنانية، وعدم الإلتزام بتنفيذ مندرجات القرار الأممي ١٧٠١ وملحقاته، خطوة أولى في مسار معركة ديبلوماسية طاحنة، لتحرير ما تبقَّى من مناطق لبنانية من الإحتلال الإسرائيلي.
ولا بد أن تشمل المواجهة الديبلوماسية مسألة التعويضات المالية الشرعية لعربدة العدو الإسرائيلي في المناطق المحتلة. والتي لم تقتصر على تفجير المنازل والمباني المدنية وحسب، بل تركزت أيضاً على جرف الحقول الزراعية وقطع آلاف الاشجار المثمرة، وخاصة أشجار الزيتون، وتخريب الطرقات والبنية التحتية.
تنفيذ سياسة الأرض المحروقة في القرى الحدودية كشف مخططاً خبيثاً لإقامة منطقة عازلة، خالية من نبض الحياة البشرية، لتطمين سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للحدود اللبنانية، بعدم وجود أي عنصر بشري يهدد أمنهم. ولكن تمسك الجنوبيين بأرضهم، رغم كل ما أصابها من خراب، أحبط المحاولة الإسرائيلية الخبيثة.
صحيح أن الجغرافيا الطبيعية على مرتفعات الخط الحدودي تتيح سيطرة الجانب اللبناني على أجواء المستوطنات المجاورة، التي تقع في مناطق سهلية تحت المرتفعات اللبنانية، ولكن هذا الواقع الطبيعي لا يبرر للعدو الإسرائيلي البقاء في التلال اللبنانية، التي تُعتبر مواقع إستراتيجية لرصد الحركة على جانبي الحدود، دون أن يكون لها أهمية عسكرية، بعد التطور الهائل في التكنولوجيا العسكرية، والتي تبقى المسيّرات أبسط أدواتها الحديثة.
إن إندفاع أهالي القرى الحدودية في العودة إلى بلداتهم، رغم محاذير السلامة العامة، بسبب وجود الألغام والقنابل غير المتفجرة، بل ورغم الدمار شبه الكامل، يشكل ردآً وطنياً على مخططات الإحتلال الخبيثة، ويجب أن يُسرّع في الوقت نفسه مساعي إطلاق ورشة إعادة الإعمار، التي تبقى من مسؤولية الدولة وحدها، لأنها هي المرجع الدستوري والوطني لكل اللبنانيين، بعيداً عن محاصصات الأحزاب والسياسيين، ومن لفّ لفّهم من أزلام ومحاسيب.