الأخبار: بينما يواصل الجنوبيون رحلة إعادة الحياة إلى بلداتهم وقراهم، وخصوصاً في القرى الحدودية التي دُمّرت بشكل شبه كامل بفعل العدوان الإسرائيلي، والذي استمرّ على مدار عام تقريباً من حرب الإسناد، وتفاقم خلال شهرين من الحرب الكبرى، ثم امتدّ لأكثر من ستين يوماً بعد انتهائها، عبر عمليات التجريف والتفجير، تستمرّ قوات الاحتلال الإسرائيلي في اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية بوسائل وأساليب متنوّعة.

 

وتشمل هذه الاعتداءات غارات جوية واستهدافات بالقذائف المدفعية، إلى جانب إطلاق الرصاص على المدنيين الذين يقتربون من مواقع العدو أو المناطق العازلة داخل الأراضي اللبنانية، فضلاً عن مواصلة التجريف والحفر وبناء التحصينات العسكرية، سواء من خلال الإنشاءات أو عبر زراعة الألغام وتمديد الأسلاك الشائكة.

 

وفي تصعيد جديد ولافت، أقدم العدو في منطقة سهل الخيام وسردا في القطاع الشرقي على حفر خنادق داخل الأراضي اللبنانية، بعضها يبعد كيلومتراً عن السياج الحدودي، فيما لا يتجاوز البعض الآخر مئات الأمتار، ويمتدّ طول هذه الخنادق إلى نحو سبعة كيلومترات.

 


ويبدو واضحاً أن العدو، مستفيداً من المتغيّرات الكبرى التي تلت انتهاء الحرب وإعلان وقف إطلاق النار، ولا سيما سقوط النظام الحاكم في سوريا وتسلّم إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض، وجدَ فرصة سانحة لإحداث تغييرات جوهرية في اتفاق وقف إطلاق النار بشكل أحادي، مستفيداً من دعم وتواطؤ الإدارة الأميركية.

 

وقد ظهر خلال المفاوضات المتعلّقة بوقف إطلاق النار أن الأميركيين كانوا حريصين على منح إسرائيل «حرية العمل» في لبنان، بهدف عرقلة تعافي المقاومة ومنعها من إعادة بناء قدراتها، وهو ما حُكي عنه تحت عنوان «ورقة ضمانات» جانبية أميركية لإسرائيل.

 

إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحدّ، إذ عمد العدو، بعد إعلان الاتفاق، إلى احتلال مواقع جديدة وإقامة مناطق عازلة داخل الأراضي اللبنانية، متّكئاً على الواقع السياسي والعسكري المستجدّ الذي صبّ في مصلحته، ولا سيما بعد انهيار الحكم في دمشق.

 

ولم يقتصر هذا التوجه الإسرائيلي على لبنان فحسب، بل انسحب أيضاً على ساحتي سوريا وقطاع غزة.

 

ففي سوريا، اجتاح جيش الاحتلال المنطقة العازلة وفق اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1973، وبسط سيطرته على مرتفعات استراتيجية تمتد من حوض اليرموك في أقصى الجنوب، وصولاً إلى جبل الشيخ في ريف دمشق الجنوبي وعلى الحدود مع لبنان. ولم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى تسيير دوريات مداهمة وتفتيش في ريف درعا الغربي، فضلاً عن تنفيذ غارات جوية شبه يومية على أهداف داخل الأراضي السورية.

 

أما في قطاع غزة، فقد عمل العدو على نقض اتفاق وقف إطلاق النار، مكتفياً بتنفيذ المرحلة الأولى منه، بينما يسعى جاهداً لإجراء تعديلات جوهرية على المرحلة الثانية، إن لم يتمكّن من إلغائها كلّياً والاستعاضة عنها بتمديد المرحلة الأولى للتهرّب من التزاماته بشأن إنهاء العدوان بشكل كامل.

 

في أقصى الجنوب اللبناني، يوم أمس، ودّع أهالي بلدة كفركلا شهداءَهم الذين سقطوا خلال العدوان، في بلدة باتت مدمّرة بشكل شبه كامل. وعلى مقربة منهم، وداخل أراضي البلدة نفسها، كانت قوات العدو تواصل أعمال التجريف والتحصين قرب الجدار الحدودي، حيث رفعت السواتر الترابية والخرسانية، وأطلقت الرصاص على أي شخص يقترب من المنطقة المحاذية للجدار، الذي أزيل جزء منه لإفساح المجال لدخول الدبابات والجرافات إلى داخل أراضي البلدة. حيث عمدت قوات العدو إلى استحداث منطقة عازلة تمتدّ على طول الجدار الحدودي، وصولاً إلى بلدة عديسة.

 

وفي القطاع الشرقي، بالقرب من بلدة الخيام، أقام العدو موقعاً عسكرياً جديداً على تلة الحمامص، التي شهدت اشتباكات ضارية مع المقاومين خلال الحرب.

 

كما فرض الاحتلال طوقاً حول الموقع، ومنع الأهالي من الاقتراب منه، وقام بتسييجه بالأسلاك الشائكة.

 

وعلى مقربة من هذه النقطة، تحديداً في منطقة الوزّاني، أقام العدو منطقة عازلة أخرى، وأحاطها أيضاً بأسلاك شائكة، فيما واصل النهج ذاته في منطقة شبعا، حيث استحدث منطقة عازلة تحت مزارع شبعا المحتلة.



أما في القطاع الأوسط، فقد عمد العدو إلى إقامة موقع عسكري جديد بين بلدتي مركبا وحولا، مستحوذاً بذلك على الطريق العام وقطعه بالكامل، إضافة إلى فرض منطقة عازلة واسعة حوله.

 

وفي بلدة عيترون، أقام العدو موقعاً على مرتفع جلّ الدير الحدودي (كان موقعاً للجيش اللبناني قبل الحرب)، المطلّ على مساحة واسعة ضمن قرى قضاء بنت جبيل، حيث سيطر على أراضٍ زراعية شاسعة في محيطه.

 

وفي القطاع الغربي، بين بلدتي رامية ومروحين، أنشأ العدو موقعاً عسكرياً جديداً، وسيطر على منطقة واسعة في محيطه. أما بين يارين والضهيرة، فقد استحدث منطقة عازلة أخرى، وأعلن منع الأهالي من الاقتراب منها تحت التهديد المباشر بالقتل.

 

وإلى أقصى الغرب، على مقربة من البحر، شيّد العدو موقعاً عسكرياً كبيراً في مرتفع اللبّونة، واستولى على مساحة شاسعة في محيطه، أزال منها الأشجار التي كانت تشكّل غطاءً طبيعياً كثيفاً في المنطقة.

 

وبذلك، تكون إسرائيل قد أقامت خمسة مواقع عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، إضافة إلى أربع مناطق عازلة، وليس اثنتين كما ادّعت في الخرائط التي زوّدت بها القوات الدولية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار.

 

وقد أطلقت تسمية «درع» على مواقعها داخل لبنان، بحيث يكون الموقع درعاً مزعوماً للمستوطنة التي يطلّ عليها، فحملت المواقع تسمية دروع شلومي وشوميرا وأفيفيم والمنارة والمطلّة.

 

وقد بلغت مساحة الأراضي اللبنانية المحتلة نحو 13.25 كيلومتراً مربعاً (13250 دونماً)، وهو ما يمثّل أقل بقليل من 1% من إجمالي مساحة جنوب لبنان.

 

اللافت أن هذه الاعتداءات المتواصلة والمتصاعدة في المواقع المحتلة والمناطق العازلة المذكورة، لا تُدرَج ضمن الخروقات المسجّلة لاتفاق وقف إطلاق النار، حيث بات يُتعامل معها على أنها تقع ضمن «التوافق غير المعلن».

 

وليس ذلك فقط، بل يقوم العدو بتثبيت براميل مطليّة باللون الأبيض، في نقاط داخل الأراضي اللبنانية، وتحديداً في المناطق التي حدّدها العدو عازلة وممنوعة على اللبنانيين.

 

وبذلك، أصبح في جنوب لبنان خطّان، الخطّ الأزرق الذي يمثّل خط انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، والخطّ الأبيض الذي يحدّد المناطق اللبنانية الجديدة التي احتلّها العدو خلال الأشهر الماضية.