الأخبار: المشرق العربي-

أرخت المجازر التي ارتكبتها الفصائل وقوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، بظلالها على مؤتمر بروكسل للمانحين، والذي ينعقد اليوم، وسط حديث عن تخفيض الدول المشاركة مستوى تمثيلها الدبلوماسي.

 

ويأتي ذلك في وقت حاولت فيه إدارة الشرع الهروب نحو الأمام، عبر الإعلان عن رفض وزير الخارجية السوري في الحكومة المؤقتة، المنتهية ولايتها، أسعد الشيباني، المشاركة، بحجة «رفض التدخل في الشؤون الداخلية وتمرير مشاريع»، قبل أن تصدر بعض التسريبات التي تتحدّث عن عدم حسم الأمر، ما يعني إبداء رغبة في المشاركة.

 

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي كان أول المنفتحين على إدارة الشرع، بقيادة فرنسا وألمانيا، الراغبتين في تأدية دور في الملف السوري لأسباب عديدة بعضها يرتبط بالضغط على روسيا، ومحاولة التخلص من عبء اللاجئين السوريين، وجد نفسه، بعد المجازر التي ارتُكبت بحق العلويين، أمام معضلة سياسية، خصوصاً بعد التوافق الروسي - الأميركي، النادر، في «مجلس الأمن» على إدانة تلك المجازر، إلى جانب الضغوط الأميركية المتوقّعة على الإدارة السورية، والتي ستعقب انفتاحاً جزئياً لستة أشهر فقط، تمّ خلاله تجميد بعض العقوبات.

 

وخلال الأيام الماضية، شهدت العواصم والمدن الأوروبة وقفات وتظاهرات عديدة مندّدة بالمجازر، التي تشير بعض التقديرات إلى أن عدد ضحاياها قد يبلغ 4 آلاف شخص، بينهم نساء وأطفال، تمّ قتلهم لمجرد انتمائهم إلى الطائفة العلوية، الأمر الذي أشعل حراكاً سياسياً في أروقة الاتحاد الأوروبي، يبدو أن صداه وصل إلى دمشق، حيث حاول الشيباني استباق الأمر.

 

وعلى الرغم من إعلان الشرع تشكيل لجنة تحقيق في المجازر، ووعده بمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، أضاف الإعلان الدستوري بعداً سياسياً على الأزمة، لما حمله من بنود تضع جميع خيوط إدارة سوريا بيد الرئيس، الذي لا يمكن عزله، ويقوم هو بالإشراف على تشكيل مجلس الشعب، ويترأّس القوات المسلحة، ومجلس الأمن القومي الذي تم إنشاؤه، إلى جانب إلغاء منصب رئيس مجلس الوزراء، ووضع هذه المسؤولية أيضاً بيد الرئيس.

 

اختارت دول الاتحاد الأوروبي، التريّث قليلاً حيال الانفتاح على إدارة الشرع، تحت وطأة الضغوط الشعبية والموقف الأميركي


وأمام هذه التطورات، يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي، التي كانت تحاول القفز على الحواجز واختصار المسافات عبر محاولة احتضان شاملة للشرع، تشمل دعوة إدارته للمشاركة في المؤتمر، اختارت التريّث قليلاً، تحت وطأة الضغوط الشعبية من جهة، والموقف الأميركي من جهة أخرى، في انتظار نتائج التحقيقات التي من المفترض أن تُعلن خلال مدة أقصاها شهر، ما من شأنه أن يؤسّس لمرحلة قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

 

وكان الاتحاد الأوروبي أعلن أن قرار تجميد بعض العقوبات ليس «شيكاً على بياض»، وأنه يمكن «عكس الإجراءات»، وبالتالي إعادة فرض القيود على سوريا، التي تعاني انهياراً اقتصادياً وأمنياً غير مسبوقيْن، وسط مخاوف من أزمات غذائية في ظل التراجع الكبير في محصول القمح، وعدم اتخاذ إجراءات حكومية لتلافي هذه المعضلة. وإلى جانب ذلك، تسببت المجازر في الساحل، والتي لا تزال مستمرة على نطاقات ضيقة، عبر عمليات إعدام ميدانية ليلية، وإحراق للأراضي الزراعية، في عرقلة المساعي الأوروبية لفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين، بمن فيهم أكثر من 900 ألف لاجئ، ترغب ألمانيا في ترحيلهم، بموجب صفقة بين الأخيرة والإدارة السورية الجديدة، سرّبت وسائل الإعلام بعض بنودها.

 

وعلى الرغم من التردّد الأوروبي حيال سوريا، تشير مصادر دبلوماسية إلى وجود توجه في المؤتمر لزيادة حجم الأموال التي سيتم تخصيصها لسوريا، بهدف الاستفادة من تجميد العقوبات في الوقت الحالي، وضمان عدم انفجار الأوضاع - على أقل تقدير -، والذي من شأنه أن يهدّد بموجات لجوء جديدة نحو أوروبا.

 

وفي سياق متصل، وفي ما يبدو أنه محاولة من تركيا، المتحكّم الأبرز بالملف السوري، لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اتصالاً هاتفياً، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، دعاه خلاله إلى رفع العقوبات عن سوريا، لإعطاء حكومة الشرع دفعة من شأنها حلحلة الكثير من الملفات المعقّدة، وتلافي انفجار جديد محتمل في هذا البلد.

 

ويأتي ذلك في ظل ثبوت عجز الشرع عن فرض سيطرته الكاملة من جهة، وتدني مستويات المعيشة إلى حدود غير مسبوقة من جهة أخرى، وامتلاك الفصائل «الجهادية» سطوة كبيرة، ظهرت بوضوح خلال مجازر الساحل، من جهة ثالثة.