عماد مرمل -

على إيقاع المرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان، عاد ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات الفلسطينية إلى البروز أخيراً، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت الظروف باتت تسمح بمعالجته أم أنّه أكثر تعقيداً ممّا يظنّ البعض؟
خلال زيارة وفد تقني من استخبارات السلطة الفلسطينية في رام الله لبيروت قبل فترة قصيرة، نُوقش مصير السلاح الفلسطيني داخل المخيِّمات بين الوفد وبعض المسؤولين اللبنانيِّين الذين التقوه.

واللافت في تلك الزيارة أنّ الوفد كان مستمعاً أكثر منه متكلّماً، فاطّلع على المقاربة الرسمية لهذا الملف، التي تفترض أنّ بالإمكان سحب السلاح وفق روزنامة تمتد لمدة عام في حال التفاهم على قرار سياسي مشترك بشأنه.

ومن الواضح أنّ التحوّلات التي طرأت أخيراً على البيئتَين اللبنانية والإقليمية دفعت البعض في الداخل إلى اعتبار أنّ اللحظة أصبحت مؤاتية لطرح مسألة نزع سلاح المخيّمات على طاولة البحث الجدّي.

وهذه المسألة كانت موضع نقاش في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بالرئيس الفلسطيني محمود عباس على هامش انعقاد القمة العربية الأخيرة، وتخلّله اتفاق بين الرجلَين، على أن توفِد رام الله وفداً من الاستخبارات الفلسطينية إلى بيروت لاستكمال البحث، وهذا ما حصل.

ولعلّ نجاح تجربة إنهاء معظم الجزر الفلسطينية المسلحة خارج المخيّمات، من البقاع إلى الناعمة، في الآونة الأخيرة قد حفّز السلطة اللبنانية على الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي محاولة تعميم التجربة إلى داخل المخيّمات، سعياً إلى الاستفادة من زخم الواقع الجديد على مستويي لبنان والإقليم، مع معرفتها بأنّ الأمر سيكون أكثر صعوبة وحساسية ربطاً بتعقيدات الوضع داخل المخيّمات، حيث تتعدّد الفصائل والأجندات.

إذا كان هناك مَن يقارب إشكالية السلاح الفلسطيني في المخيّمات من زاوية أنّه لم تعُد له وظيفة حقيقية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وأنّ الوقت حان لتفرض الدولة سيادتها على كل أراضيها، إلّا أنّ هناك مَن يتعامل معه من زاوية أخرى ترتبط بطبيعة الاصطفاف في البلد، مفترضاً أنّ نزع سلاح الفصائل سيُسهّل المطالبة بنزع ذاك الذي يملكه «حزب الله».

وبمعزل عن النيات المتضاربة، فإنّ الأكيد أنّ تسليم السلاح الفلسطيني يحتاج إلى اتفاق سياسي مسبق مع الفصائل، لأنّ الدولة اللبنانية ليست في وارد نزعه بالقوة العسكرية، وبالتالي فإنّ أي اتفاق من هذا النوع يتطلّب حواراً صريحاً ومقاربة عميقة للهواجس المتبادلة.

بالنسبة إلى السلطة برئاسة محمود عباس، فهي أبلغت الدولة اللبنانية استعدادها للتعاون الكامل معها من أجل أن تبسط سيطرتها على جميع المخيّمات، مانحةً الغطاء السياسي الكامل لأي مسار في هذا الاتجاه.

وترجم الوفد الاستخباراتي الذي زار بيروت، موقف أبي مازن عبر إبداء كل التجاوب والإيجابية حيال أي إجراءات يمكن أن تقرّرها الدولة لإعادة المخيّمات إلى كنفها. لكنّ ذلك لا يكفي، إذ إنّ تعدّد فصائل منظمة التحرير إلى جانب حركتَي «حماس» والجهاد الاسلامي وغيرها من القوى الفلسطينية المتواجدة في المخيّمات، إنّما يستوجب توسيع بيكار النقاش، الأمر الذي يقع ضمن مسؤولية لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني برئاسة الدكتور باسل الحسن، خصوصاً أنّ بعض الفصائل لا يبدو جاهزاً بعد لتسليم سلاحه، ولا يُخفي ارتيابه في هذا الطرح.

أمّا الموقف الرسمي اللبناني حيال قضية السلاح الفلسطيني فينطلق، وفق العارفين، من الأسس الآتية: خطاب القَسَم، البيان الوزاري، مقرّرات طاولة الحوار الوطني، ومداولات لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني.

وتعتبر مصادر رسمية أنّ معالجة ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات لا يجب أن تكون أمنية فقط، بل ينبغي أن تأتي في سياق حل متكامل يشمل الواقع الاجتماعي والإنساني، مشدّدةً على ضرورة أن يلحظ أي حل استمرار الأونروا في تحمّل مسؤولياتها وتأدية واجباتها لناحية تقديم الخدمات الضرورية إلى اللاجئين الفلسطينيِّين، وعدم السماح بأن تتملّص من هذا الدور بأي ذريعة، لأنّ الدولة ليست بديلاً عن الأنروا على هذا الصعيد.

وتشير المصادر إلى أنّ سحب السلاح وضمان الحقوق المدنية للاجئين، هما كلٌ لا يتجزّأ، ويندرجان في سلة واحدة.

كذلك، تشدّد المصادر على أنّ تسليم السلاح الفلسطيني ودخول الدولة إلى المخيّمات يجب أن يترافقا مع تأكيد ثابتَتين أو ركيزتَين هما، الإصرار على رفض التوطين، وعدم المساس بحق العودة.