بيروت حمود-
بعد سنة كاملة من مطاردته، تمكّنت إسرائيل، أخيراً، من قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الشهيد يحيى السنوار، فيما ظل الأخير يقاتل نازفاً حتّى الرمق الأخير. أُغلقت الدائرة إذاً، وهو ما دفع بمحللين إسرائيليين إلى دعوة حكومتهم إلى اغتنام الفرصة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في كل من غزة ولبنان، وتبادل الأسرى. وتمثل لحظة استشهاد السنوار، وفقاً للمحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، واحدة من اللحظات التي تنطبق على «ما علّمنا إياه مناحيم بيغين، وهو قول ما هو مفروغٌ منه». فالضربة التي تلقّتها الحركة «ذات دلالات رمزية ومعنوية بعيدة المدى، ودلالات أخرى تكتيكية وإستراتيجية». كما أن استشهاد السنوار، وقبله الأمين العام لحزب الله الشهيد السيّد حسن نصرالله، إلى جانب تصفية السلسلة القيادية في حزب الله و«حماس»، مثّلا، طبقاً لبرنياع، «ذروة الحرب»؛ حيث «لن يكون هناك ما يمكن تصفيته» بعد ذلك، وعلى هذا الأساس «ثمة شك في احتمال أن تكون هناك إنجازات أكبر مستقبلاً».
ويستنتج برنياع أنه قد حانت اللحظة الصحيحة للشروع في عملية ديبلوماسية، بإمكان إسرائيل أن تنهي عبرها الحرب على جبهتَي غزة ولبنان، وفي المقابل «تستعيد المختطفين، وتنزع سلاح غزة، بعدما غابت حماس كقوّة عسكرية وسلطوية. وبالنسبة إلى لبنان، ستحصل على نزع السلاح في الجنوب، وتطبيق القرار 1701، وتستبدل قوات اليونيفيل بقوى أخرى، وتحصل على تأييد دولي لِحقها في القيام بتوغلات عسكرية في غزة وجنوب لبنان، إذا ما خُرق الاتفاق»، بحسب زعمه. وتساءل برنياع ما إن كانت الضربة غير المباشرة التي تلقتها إيران بالقضاء على السنوار فائضة عن الضربة المباشرة التي تتوعد إسرائيل بإنزالها بطهران في الأيام القريبة، معتبراً، في دعوة غير مباشرة إلى تجنب المواجهة مع الأخيرة، أنه الآن «لن يكون مضراً إجراء نقاش آخر حول (جدوى) لعبة البينغ بونغ مع الإيرانيين. فقد فهموا أننا لسنا أغبياء».
وتبدو دعوة برنياع إلى استغلال الظروف الحالية لإنهاء الحرب، متّسقةً مع مطالب القيادة العسكرية للجيش، والتي تُظهر بحسبه «تأييداً واسعاً لإنهاء الحرب»، كونها تأخذ في الحسبان «الثمن الباهظ للقتال المستمر والذي يُسقط قتلى وجرحى إسرائيليين يومياً»، بموازاة «ضائقة الموارد والمخزونات، والتعلّق بإمدادات الذخيرة التي ترسلها الولايات المتحدة». إلا أنه على المقلب الآخر، يقف وزير الأمن، يوآف غالانت، متمسكاً بالضغط العسكري باعتباره سيدفع بالطرف الثاني إلى التفاوض. ورغم أن برنياع عدّ ذلك «منطقياً»، فهو رأى أن هذه اللحظة الصحيحة لتذكيرغالانت بالنصيحة الكلاسيكية للسيناتور الجمهوري، كليبورد كاييس، والتي قالها في نهايات حرب فيتنام: «أعلن النصر وعد إلى الوطن». ورغم ما تقدّم، فإن القرار بحسب برنياع «يظل بيد شخص واحد هو بنيامين نتنياهو»، متسائلاً: إلى أين يريد أن يتجه الآن؟ وهل سيحوّل الإنجاز إلى اتفاق، أم سيسعى إلى مواصلة الحرب في إحدى الجبهتين أو كلتيهما، وهو الذي تحدث عن الأسرى وعن مواصلة الحرب، «وهما أمران متناقضان». وأضاف أن «الجهات المهنية في إسرائيل تعتبر أنه في المدى الفوري ستواجه حماس صعوبة في استئناف المفاوضات. ولاحقاً، من دون السنوار، ربما سيكون أسهل على قيادة حماس أن تقدم تنازلات».
ومن جهته، رأى المحلل العسكري لصحيفة «يسرائيل هيوم»، يوآف ليمور، أنه باغتيال السنوار لم يعد ثمة عنوان لا في غزة ولا في قطر، معتبراً ذلك بمثابة «المشكلة الأكبر والأكثر إيلاماً» بالنسبة إلى إسرائيل. ومع هذا، فإنه في الظرف الناشئ، ورغم أن مقاتلي الحركة سيبقون في غزة، «بإمكان إسرائيل الدفع بحل يضع بديلاً سلطوياً واضحاً بغياب قائد الحركة»، بحسب ليمور، الذي لا يضيف أنه ليس على إسرائيل انتظار المقترحات الغربية «فالعالم يتنكّر لها، وقد يحاول فرض حلول أقل راحة بالنسبة إليها». ويستدرك بأنه لا ينبغي أن تستجيب إسرائيل للمقترحات التي يدفع بها التيار المسياني في الحكومة، والذي يسعى إلى الاستيطان في غزة، مشدداً على أنه بدلاً من الخيار المذكور «على الحكومة المبادرة إلى حل يعيد المختطفين، وينهي الحرب، ويؤسس لحكم بديل، يضمن حرية عمل عسكري وأمني في القطاع».
على أن مصير الأسرى الإسرائيليين بعد اغتيال السنوار بات معقّداً أكثر، بحسب محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين بيرغمان، الذي يشير إلى اعتقاد المسؤولين الأمنيين بأن أي «رئيس جديد لحماس، في داخل غزة أو خارجها، لن يوافق على أقل ممّا وافق عليه السنوار». كما يسود قلق في داخل المنظومة الأمنية من أن اغتيال السنوار قد يفضي إلى تفكك معيّن في «حماس»، يدفع المسؤولين عن حراسة الأسرى إلى «التصرّف وفقاً لمشيئتهم وربما الانتقام منهم». وعليه، تعتبر الجهات الأمنية أن عدم التوصل إلى اتفاق في خضم الظروف الناشئة حالياً، قد يجعل من مصير الأسرى مشابهاً لمصير الطيار الإسرائيلي، رون أراد، الذي اختفى عقب أسره في لبنان في الثمانينيات. وفي هذا الإطار، نقل بيرغمان عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع، قوله إن «هذه فرصة يحظر إهدارها بأي شكل. والبديل هو أننا سنفقد السيطرة على الوضع مقابل خلايا معدودة أو مقابل شخص متطرف يفرض سيطرته. ويتعين على جميع الأدمغة في دولة إسرائيل أن تفكر كيف سيتم الآن إجراء اتصالات من أجل تحريك صفقة، وكي تتلقى حماس أيضاً اتصالاً من أجل التفاوض».