التخييم بين الواقع والطموح
تلعب المخيمات دورا مهما في تكوين الأطفال واليافعين والشباب، وفي صقل مواهبهم وإمتاعهم بعد موسم شاق من الدراسة والاجتهاد. وليس مختلفا في كون التخييم حقا لكل الأطفال دون تمييز في أي مجتمع يقدر أطفاله ويعتبرهم مستقبل البلاد، غير أن النظر إلى حال التخييم ببلادنا يضعنا أمام مفارقة بين الخطابات والشعارات من جهة والواقع من جهة ثانية.

وتتحصل هذه المفارقة لدى أي ناشط في مجال التخييم من خلال الوقوف على التفاوت بين خطاب الدولة الحقوقي، وبين حجم العرض التخييمي الذي توفره، والذي لا يرقى إلى مستوى الخصاص ولا إلى مستوى طموح الفاعلين التربويين.

ففي كل موسم تخييمي تكشف الوزارة الوصية على القطاع برنامجها وحجم الفئات المستهدفة. ومما يسجل هذه السنة (صيف 2024) أن هناك تراجعا كبيرا في أعداد الأطفال المستفيدين من عملية التخييم والاصطياف، فالعدد المعلن لا يتعدى 80 ألف مستفيد فقط، بعدما كان العدد في السنوات الماضية يقارب 300 ألف. فلا يعقل أن يتجه العرض في اتجاه التقليص بينما كنا ننتظر توسيعه من أجل تمكين عدد أكبر من الأطفال من حقهم في التخييم.

ويصعب أن يتحصل عند الأسر والجمعيات قناعة بعدم وعي الدولة بأدوار التخييم في تكوين الطفل المغربي، ذلك أن المخيمات لا تؤدي دور الترفيه فقط، رغم إيمان الجميع بكونه حقا ملحا، بل تتعداه إلى تكوين شمولي لشخصية الأطفال واليافعين والشباب وترسيخ قيم المواطنة والتضامن والاستقلالية، وتمرينهم على السلوك المدني. لذلك فإن المخيمات لا تقل شأنا عن المدرسة، ونحن الآن في حاجة إلى عمل متضافر من أجل توسيع العرض التخييمي وتجويده بل والعمل على نشر ثقافة التخييم الهادف في أوساط المجتمع المغربي.

من هنا يأتي ترافع الحركة الجمعوية عبر مسيرتها الممتدة منذ الاستقلال من أجل حق الطفل المغربي في التخييم والاستفادة من المخيمات التربوية، والمطالبة برفع ميزانية وزارة القطاع والرفع من عدد مقاعد التخييم إضافة لتوسيع شبكة المراكز والاصطياف التي لا تتعدى هذه السنة 37 مركزا.

فليس من المعقول أن تستمر الدولة في اعتبار قطاع التخييم قطاعا غير منتج أو ثانويا أمام ما راكمه المجتمع الدولي من عهود ومواثيق تدعو إلى احترام حقوق الطفل، وليس هذا مبررنا فقط، بل لكون الطفل المغربي مستقبل هذا الوطن، ولأن أبناء المغاربة هم أبناء المغرب تربط بينهم علاقة وجدانية طبيعية تلزم الحكومة والمسؤولين عن القطاع بجعل الأطفال في صلب الاهتمام.

ولا تقتصر مسؤولية النهوض بالطفولة على الحكومة بل إنها مسؤولية جماعية بما في ذلك المجالس المحلية والإقليمية والجهوية. ذلك أنه إضافة إلى الإكراهات المادية التي تحرم الطفل المغربي من حقه في التخييم وقضاء عطلة ممتعة، فإن مدبري الشأن العام يعتبرون التخييم شأنا ثانويا، بل إن قطاع الطفولة في نظرهم قطاع غير منتج. لهذا يسجل غياب هذا الجانب في خطط وبرامج المجالس بالمدن والقرى. مما يجعل السياسات المستهدفة للطفولة شبه غائبة وهو ما يترجم على مستوى محدودية فضاءات الطفل (دور الشباب، المسابح، مراكز، فضاءات خضراء…).

إن الخروج من هذه الوضعية الحرجة للتخييم يقتضي تكتّل الحركة الجمعوية في الترافع، والارتقاء بمستوى تكوين المؤطرات والمؤطرين والرفع من الوعي التربوي الجاد، كما يقتضي جهدا تشريعيا مرنا يمكن الحركة الجمعوية من الاقتراح والفعل ويوفر الحماية لأطفالنا في الآن نفسه. كما يقتضي جهدا من الدولة على مستوى التمويل والإيواء، أضف إلى ذلك ضرورة الرفع من مستوى التنسيق بين الفاعلين وبين القطاعات الحكومية (التنسيق بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الشبيبة والرياضة) ليكون التخييم شأنا حيويا لا يقل أهمية عن التعليم النظامي.